تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الغليظ


علاء
12-07-2007, 01:26 PM
الغليظ

الغليظ ليس صفة فرعية وإنما من الصفات الأساسية، فيمكنك أن تقول إنه يشكل فصيلة مستقلة عن المتصارعين الأزليين الطيب والشرير؛ فالغليظ هو الذي يحاول أن يكون الثالث، مع أنَّ القصة هي مثنى مثنى.والغليظ يكون طيباً أحياناً، وشريراً أحياناً أخرى، لكن درجة الغلاظة عنده ضيعت أصله؛ فلم نعد نعرف إن كان طيباً أم شريراً، واكتفينا باكتشاف عنصر ثالث مستقل ألا وهو الغليظ. والغليظ مستقل بالفعل، لكن مو بأيدو بل بسبب أن لا أحد يريد أن يكون معه، فهو الذي يبحث في الطرقات عن شريك محادثة أو شريك مشوار أو شريك سهرة أو شريكة حياة ودائماً لا حياة.. لمن تنادي، وهو الذي يوزع التحيات، فترتد إليه مصدومة، لأنَّ أحداً لم يستقبلها فطارت وارتطمت وعادت دون أن تصافح أحداً سوى الهواء، وهو الذي ترونه واقفاً أمام الطاولات يتحادث مع الجميع دون أن يدعوه أحد إلى الجلوس، وهو الذي يهرب منه الجميع حتى الذين يطلبون منه الأموال، يا أخي حلال على قلبك، الله يسعدك ويبعدك، وهو الذي يعود إلى البيت وحيداً وحزيناً، فقد ضاعت جهوده هذا اليوم أيضاً في التواصل مع أحد هباءً.


يستلقي على الكنبه، فتئن تحت وطأة غلاظته. يشعل المذياع بين قوسين الراديو يا أختي، فتهرب منه الموجات وتختفي من بين أصابعه الإذاعات. يشعل الرائي بين قوسين التلفزيون يا أخي المواطن، فتفر منه "مولولة مزعوطة" أسراب المذيعات الممكيجات المسشورات والمحوّلات.. والمحوّلات هن يلي عملوا عمليات حولة الحسن لعيونهم، وتهرب منه المسلسلات فترى خالد بن الوليد بسببه هائماً في الطرقات، يقاتل الهواء تحت أعمدة الكهرباء، حتى الأغلظ منه بيهربوا منه، فتهرب منه برامج العمال والفلاحين والطليعيين والشبيبيين والختياريين وما يكرهه الجمهور. يدخل على الإنترنت، فيهرب منه "عتاة مدمني الشات"، حتى الفتيات يلي هنن بالأصل مو فتيات بس عاملين حالهن عالشات فتيات مشان العالم تحكي معهن هربوا منه، فحول نفسه إلى فتاة، ولكنهم هربوا منه، عرفوه من أول لمسة على أزرار الكيبورد، التي لم تستطع أن تهرب من بين يديه لأسباب لها علاقة بالمواصلات.

فهو الذي يقرص ابن الجيران من خده قرصة قد تسبب له حبة حلب للتعبير عن المودة، وهو الذي يضرب بكفه على ظهر صديقه كمخباط حطه السيل من علِ تعبيراً عن الإعجاب، وهو الذي يغازل صديقة صديقه تكريماً لصديقه وتعبيراً عن الإخلاص، وهو الذي يشربك الشاي غصباً عن راسك، ويدخلك إلى منزله عنوة كما لو أنه يختطفك تعبيراً عن الشوق واللهفة، وهو الذي يسحب كرسيه ويجلس دون أن يستأذنك وعلى الفور في موضوع لا يخصك يقحمك، وهو الذي تحس دائماً بأنه لا يريد أن يتركك وحدك لأنه كتلة مندفعة، وفي الغالب طيبة، تظهر الحب بمبالغة هائلة، لأنها تستعجل المودة وتستعجل المحبة وتستعجل الصداقة، وبسبب هذه العجلة فهي ترمي بأوراقها كاملة من أول لقاء، فتبدو بعد ذلك أفعالها مكررة ومحفوظة ومقولبة وممجوجة ومعلوكة ومزعجة، وغيرها من المواد الأولية التي يصنع منها فن الغلاظة.


منقول لـ لقمان ديركي