علاء
09-14-2008, 12:45 AM
اللا منتمي المفهوم والأصل
حميد كاظم شذر:
ان اصل كلمة اللا انتماء يوناني (anomia) وتعني لا قانون او فوضى في التنظيم ولكن ليس هناك نصوص تدل على انها استخدمت استخداماً خاصاً، ما عنته الكلمة حتى القرن الثامن عشر هو الاشارة الى حالة ليست ضد القانون وانما لا قانون ثم استخدمها رجال الكنيسة في القرن الثامن عشر للاشارة الى ما هو خارج قوانين الكنيسة، وبالطبع كان كل ما هو خارج الكنيسة (فوضى وعدم).
وتعد كلمة اللا منتمي اليوم من اهم مفردات سوسيولوجيا الادب، فهي كالاغتراب والتشيؤ عند ماركس ولوكاش وتعبر عن حالة غير سوية للفرد في المجتمع الصناعي.ان كلمة اللامنتمي استخدمت كثيراً في الستينيات وخاصة عند قراءة اعمال البيركامو، وسارتر، وكولن ولسن إذ انها تقرب بين حالة اللامنتمي وحالة معاناة الوجود اي انها توصف بانها ظاهرة اجتماعية وخاصة في كتابات (دوركهايم) إذ اعتبرت ظاهرة الانتماء في المجتمع الصناعي في نهاية القرن التاسع عشر جزءاً من هذا الاغتراب. ان الاغتراب ليس مجرد مقاومة من جانب الفرد ازاء التغيرات الاجتماعية وانما هو مشكلة عضوية تكمن في نسيج نمط الانتاج الجديد، الانتاج من اجل الانتاج وليس من اجل اشباع حاجات الانسان.لقد اعطى (دور كهايم) تعبيراً وهو حالة ما لا يتمتع بنظام او حالة من فقد النظام بمعنى آخر ان (دوركهايم) اضفى على التعبير طابع الافتقاد او السلب وهو ما فعله بعض علماء الاجتماع مثل (ميرتون، وباريونز) الذين عرفوا حالة اللامنتمي بوصفها فقدان النظام على المستوى الاجتماعي والاحباط او فقدان الروح المعنوية على مستوى الفرد. كل هذه المفاهيم تركز على التعبير الميكانيكي لظاهرة عدم الانتماء اي اضطراب الصلة بين الفرد والمجتمع، اما(دوفينو) فهو اكثر وضوحاً إذ انه يتجاوز الربط الميكانيكي ليتأمل الفرد اللامنتمي وليخرج في النهاية بنتيجة مؤداها ان فصل اللاانتماء ليس مجرد اشكال بين الفرد والمجتمع انما حلقة في دائرة جدلية اجتماعية هي (القبول ـ الرفض ـ القبول وبهذا المعنى تمتد ظاهرة اللاانتماء الى كل تلك الاشكال الفردية من الافعال التي تنقد الحاضر لتعلن عن الجديد المرفوض الذي يقبل ويصبح جزءا من المؤسسة الاجتماعية الى ان يأتي فكر جديد يوصف بعدم الانتماء في حالة صراعه مع ما هو ثابت وقائم ومؤسس الى ان يصبح بدوره فكراً مؤسسياً وهكذا تدوم الحركة.
رغم ان (دور كهايم) هو اول من وضع مصطلح اللاانتماء كاداة ـ مفهوم لدراسة حالة الانتماء في فرنسا في نهاية القرن الماضي فقد كان، كما يقول (دوفينو) بعيدا كل البعد عن تصور خصوبة هذا المفهوم، وحقيقة الامر فيما يقول (دوفينو) (ان دوركهايم رصد التغير ولكنه لم يدرس التحول)، ويعزى سبب ذلك الى ان (دوركهايم) كان جل اهتمامه فهم تلك الصدمات والاحداث العنيفة التي وقعت في شبابه كالحرب الالمانية الفرنسية وكومنه باريس كانت هذه كلها كوارث مخالفة للتفاؤل الوضعي الذي يتميز به التطور العلمي والصناعي السلمي المستمر. ويضيف (دوفينو) في كتابة (الظلال الجماعية) من 180 (ان دور كهايم تحدث عن ظاهرة اللاانتماء بعقلية اخلاقية تعتمد على التوازن والتناغم الاجتماعي وهذه صورة متخفية (لما يعرف بالنظام الاخلاقي) لكن هذا النقص في ادراك عملية التحول يرجع ايضاً الى عجز علم الاجتماع وحتى اليوم عن مواجهة نشاطات الحياة الاجتماعية.
ان الرغبة اللا محدودة التي تؤجج صدور اللامنتمين او الجرح الغائر الناجم عن تلك القطيعة بينهم وبين مجتمعاتهم تلك اللغة اللامفهومة لا تجعل منهم ابطالاً لانهم يرفضون هذه البطولة ـ الاحتواء ـ من ناحية اخرى فالعنف الذي تقابل به هذه الانماط وخاصة في عالمنا الثالث لا يدل على صحة رؤاهم بقدر ما يدل على ضعف وتهافت البنيات الاجتماعية في عالمنا هذا. ان التعرف على هذه الوجوه والانصات الى افواه المحمومة احياناً ان لم يلق ضوءاً على المستقبل فهو يتيح لنا معرفة الحاضر.
نقلا عن جريدة الصباح (http://www.alsabaah.com/paper.php?source=akbar&mlf=copy&sid=10844)
حميد كاظم شذر:
ان اصل كلمة اللا انتماء يوناني (anomia) وتعني لا قانون او فوضى في التنظيم ولكن ليس هناك نصوص تدل على انها استخدمت استخداماً خاصاً، ما عنته الكلمة حتى القرن الثامن عشر هو الاشارة الى حالة ليست ضد القانون وانما لا قانون ثم استخدمها رجال الكنيسة في القرن الثامن عشر للاشارة الى ما هو خارج قوانين الكنيسة، وبالطبع كان كل ما هو خارج الكنيسة (فوضى وعدم).
وتعد كلمة اللا منتمي اليوم من اهم مفردات سوسيولوجيا الادب، فهي كالاغتراب والتشيؤ عند ماركس ولوكاش وتعبر عن حالة غير سوية للفرد في المجتمع الصناعي.ان كلمة اللامنتمي استخدمت كثيراً في الستينيات وخاصة عند قراءة اعمال البيركامو، وسارتر، وكولن ولسن إذ انها تقرب بين حالة اللامنتمي وحالة معاناة الوجود اي انها توصف بانها ظاهرة اجتماعية وخاصة في كتابات (دوركهايم) إذ اعتبرت ظاهرة الانتماء في المجتمع الصناعي في نهاية القرن التاسع عشر جزءاً من هذا الاغتراب. ان الاغتراب ليس مجرد مقاومة من جانب الفرد ازاء التغيرات الاجتماعية وانما هو مشكلة عضوية تكمن في نسيج نمط الانتاج الجديد، الانتاج من اجل الانتاج وليس من اجل اشباع حاجات الانسان.لقد اعطى (دور كهايم) تعبيراً وهو حالة ما لا يتمتع بنظام او حالة من فقد النظام بمعنى آخر ان (دوركهايم) اضفى على التعبير طابع الافتقاد او السلب وهو ما فعله بعض علماء الاجتماع مثل (ميرتون، وباريونز) الذين عرفوا حالة اللامنتمي بوصفها فقدان النظام على المستوى الاجتماعي والاحباط او فقدان الروح المعنوية على مستوى الفرد. كل هذه المفاهيم تركز على التعبير الميكانيكي لظاهرة عدم الانتماء اي اضطراب الصلة بين الفرد والمجتمع، اما(دوفينو) فهو اكثر وضوحاً إذ انه يتجاوز الربط الميكانيكي ليتأمل الفرد اللامنتمي وليخرج في النهاية بنتيجة مؤداها ان فصل اللاانتماء ليس مجرد اشكال بين الفرد والمجتمع انما حلقة في دائرة جدلية اجتماعية هي (القبول ـ الرفض ـ القبول وبهذا المعنى تمتد ظاهرة اللاانتماء الى كل تلك الاشكال الفردية من الافعال التي تنقد الحاضر لتعلن عن الجديد المرفوض الذي يقبل ويصبح جزءا من المؤسسة الاجتماعية الى ان يأتي فكر جديد يوصف بعدم الانتماء في حالة صراعه مع ما هو ثابت وقائم ومؤسس الى ان يصبح بدوره فكراً مؤسسياً وهكذا تدوم الحركة.
رغم ان (دور كهايم) هو اول من وضع مصطلح اللاانتماء كاداة ـ مفهوم لدراسة حالة الانتماء في فرنسا في نهاية القرن الماضي فقد كان، كما يقول (دوفينو) بعيدا كل البعد عن تصور خصوبة هذا المفهوم، وحقيقة الامر فيما يقول (دوفينو) (ان دوركهايم رصد التغير ولكنه لم يدرس التحول)، ويعزى سبب ذلك الى ان (دوركهايم) كان جل اهتمامه فهم تلك الصدمات والاحداث العنيفة التي وقعت في شبابه كالحرب الالمانية الفرنسية وكومنه باريس كانت هذه كلها كوارث مخالفة للتفاؤل الوضعي الذي يتميز به التطور العلمي والصناعي السلمي المستمر. ويضيف (دوفينو) في كتابة (الظلال الجماعية) من 180 (ان دور كهايم تحدث عن ظاهرة اللاانتماء بعقلية اخلاقية تعتمد على التوازن والتناغم الاجتماعي وهذه صورة متخفية (لما يعرف بالنظام الاخلاقي) لكن هذا النقص في ادراك عملية التحول يرجع ايضاً الى عجز علم الاجتماع وحتى اليوم عن مواجهة نشاطات الحياة الاجتماعية.
ان الرغبة اللا محدودة التي تؤجج صدور اللامنتمين او الجرح الغائر الناجم عن تلك القطيعة بينهم وبين مجتمعاتهم تلك اللغة اللامفهومة لا تجعل منهم ابطالاً لانهم يرفضون هذه البطولة ـ الاحتواء ـ من ناحية اخرى فالعنف الذي تقابل به هذه الانماط وخاصة في عالمنا الثالث لا يدل على صحة رؤاهم بقدر ما يدل على ضعف وتهافت البنيات الاجتماعية في عالمنا هذا. ان التعرف على هذه الوجوه والانصات الى افواه المحمومة احياناً ان لم يلق ضوءاً على المستقبل فهو يتيح لنا معرفة الحاضر.
نقلا عن جريدة الصباح (http://www.alsabaah.com/paper.php?source=akbar&mlf=copy&sid=10844)