عندما يكون الطفل مشروع (مجرم)!

[آلاء]

د. ياسر عبدالكريم بكار ـ

أبو محمد رجل وقور في الخسمينيات من عمره. جلس أمامي في العيادة وهو يحمل وجهًا حزينًا خطت هموم الدهر عليه حروفها. بدأ يحدثني عن ابنه ذي التسعة عشر عامًا. روى لي عشرات القصص عن أفعاله وسلوكه السيئ وعن الأذى الذي ألحقه بالآخرين، وعن المواقف المحرجة التي وضعه فيها مرات ومرات لدى جيرانه، وأساتذته - عندما كان طالبًا - وفي أقسام الشرطة وسجون الأحداث.
قصص غريبة وتفاصيل محزنة حتى بلغ به الحال أن يقول: (هل تعرف أبًا يتمنى موت ابنه.. يتمنى أن يخرج من هنا ليرى ابنه وقد صدمته سيارة في الطريق.. أنا هو ذلك الأب..!!) وسرت على خده دمعة شعرت بحرارتها. كنت أدرك تمامًا كيف يشعر هذا الأب لأني تعاملت كثيرًا مع مثل ابنه. فهم يبدون للوهلة الأولى أشخاصًا وديعين وأذكياء وجذابين، لكنك ما إن تكشف عن تاريخ حياتهم حتى ترى العجب. إذ يقومون بكل فعل يضر بالمجتمع، ويخالفون النظام في كل مناسبة، ويتحينون أي فرصة للقيام بأفعال لا أخلاقية. مثل هؤلاء تراهم بكثرة في السجون ومستشفيات علاج الإدمان. أما نحن في الطب النفسي فنصمهم بالشخصيات المضادة للمجتمع Antisocial Personality. هم يتسمون بالصفات التالية:
- الإخفاق في الانصياع لضوابط المجتمع وقوانينه.
- عدم احترام مشاعر الآخرين، وفقدان التعاطف مع ضحاياهم.
- الاعتماد على التضليل والمخادعة واستغلال الآخرين والكذب المتكرر للوصول لما يريدونه.
- الاندفاعية والطيش إلى حد التفريط بسلامتهم الشخصية وسلامة الناس من حولهم.
(كقيادة السيارة بأسلوب متهور، أو الإدمان على الكحول والمخدرات).
- سرعة الإحباط واللجوء المباشر للعنف والعدوانية وتبرير ذلك بأعذار مختلفة في كل مناسبة.
- يفتقدون الشعور بالذنب عند إيذائهم للآخرين، ولا يظهر أي نفع من العقوبة المنزلة بهم من أجل تغيير سلوكهم.
تخبرنا الإحصائيات العالمية أن 3 من كل مئة رجل، وواحدة من كل مئة امرأة يعانون هذا الاضطراب في شخصيتهم. وفي الواقع أن هناك شخصيات عالمية كانت تحمل هذه السمات، وقد أوردوا العالم المهالك.
الحقيقة الهامة هنا التي جعلتني أجمع أوراقي للكتابة في هذا الموضوع هي أن هذه السمات لا تظهر على هؤلاء الأشخاص فجأة ومن دون سابق إنذار. بل يتم ملاحظتها منذ سنوات الطفولة المتأخرة (وأحيانًا المبكرة) وبدايات سنوات المراهقة. ولك أن تتخيل كم من الخسائر والمآسي التي يمكن تلافيها لو تم منح اهتمام حقيقي للوقاية من نشأة مثل هذا النمط من الشخصيات، والتدخل المبكر لمعالجتها والتخفيف من حدتها. ولذا أرجو منك عزيزي القارئ أن تتحمس لمتابعة هذه النقاط الهامة، التي قد تغير حياة شخص عزيز عليك.

أطفال أشقياء
يبدأ الأهل بملاحظة سلوكيات مستمرة ومتطورة لدى ابنهم في سنوات طفولته المتأخرة وبداية المراهقة (عادة قبل سن الثالثة عشرة) تدور حول العدوانية والتعدي على حقوق الآخرين ومن أهم هذه السلوكيات:
- الاعتداء على الناس، حيث يثيرون المشاكل والعراك، ويستخدمون الأدوات الحادة، والسرقة تحت التهديد، والاعتداء على من يصغرهم سنًا واستغلالهم كما لا تسلم الحيوانات من أذاهم.
- تخريب ممتلكات الآخرين كالسيارات، وأغراض المنزل، وزهور حديقة الجيران. ولا يتورعون عن إضمار الحرائق لإحداث ضرر كبير. كما يشكو المدرسون من اعتدائهم على بقية الطلاب بأخذ حاجياتهم أو كسرها.
- الكذب المتكرر لدفع تهمة عن أنفسهم أو توريط غيرهم. كما قد يقومون بالنشل من المحلات والتزوير.
- عدم الالتزام بالقوانين المفروضة عليهم حيث يهربون من البيت أو يقضون الليل خارجه رغم منع آبائهم لهم، ويتكرر هروبهم من المدرسة والغياب عنها.

لماذا يصاب الأطفال بهذا السلوك؟
لا أحد يستطيع أن يحدد سببًا لاضطراب سلوك هؤلاء الأطفال. لكن العلماء وجدوا عبر الملاحظة أن هناك العديد من عوامل الخطورة التي قد تتفاعل سوية لظهور هذه الأعراض، مع الانتباه إلى أنه قد ينشأ هذا الاضطراب دون وجود هذه الأسباب:

اضطراب في الجهاز العصبي:
ظهرت دلائل علمية على أن بعض الأطفال (السيئين) يعانون آفة طفيفة في الدماغ. دعم هذه الفرضية مراقبة الأطفال الذين يعانون اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD). وهو مرض دماغي يصيب الأطفال قبل سن السابعة. وجدت الدراسات أن 60٪ من هؤلاء الأطفال سيعانون اضطرابات سلوكية في أيام مراهقتهم. كما يتزايد لديهم احتمالية امتلاكهم لسمات الشخصية المضادة للمجتمع.

- أسباب جينية:
الجزء المتوارث من الشخصية نسميه (المزاج) Temperament. وهو رد فعل الطفل المعتاد للأحداث (عندما تركه الأم وحده مثلاً)، أو لوجوده مع الغرباء (الألفة السريعة معهم أو القلق منهم)، ومستوى نشاطه العام. وهذا معروف لدى الأمهات، فهن أفضل من يخبرك كيف يتباين الأطفال منذ ولادتهم، فمنهم الصعب والسهل. أثبتت الدراسات وجود علاقة طفيفة بين (مزاجنا) الذي نولد معه وسلوكنا في السنوات القادمة. لكن هذه العلاقة تكتسب أهمية عندما يفشل الأبوان في التعامل المناسب مع كل نمط من أمزجة أطفالهم، فالطفل (الصعب) الذي نخوض معه الصراعات دون صبر أو تفهم أو مساعدة للتكيف يكون أكثر عرضة لتطوير سلوك عدواني.

- أسباب تربوية:
ينشأ بعض الأطفال الأشقياء في أسرة أشبه بنموذج لـ(مدرسة المشاغبين)! حيث تتسم هذه الأسرة بالسمات التالية:
- يتأرجح الوالدان في تعاملهم مع الأبناء بين حالتين: الأولى هي الإهمال حيث تنقطع كل وسائل التواصل بينهم، وتختفي تعابير المحبة والاهتمام.. والثانية: حالة اللجوء إلى الضرب الشديد بشكل متكرر كردة فعل لأي خطأ أو هفوة، مما يشكل لدى الطفل نموذجًا حيًا للتعامل مع المشكلات والتحديات أي عبر العنف والاعتداء.
- يتميز الأبوان أيضًا في مثل هذه الأسر بتقلب المزاج، ولذا تكون العقوبة نتيجة الحالة المزاجية للأبوين في لحظة ارتكاب الخطأ، وليست موجهة لتهذيب فعل ما.
- تكثر في أسر هؤلاء الأطفال الأشقياء الخلافات بين الوالدين وتبعاتها من العنف والإساءة والطلاق. وفي دراسات علمية عديدة أظهرت أن الطلاق بحد ذاته إذا خلا من النزاعات أقل ضررًا من النزاعات اليومية بين الزوجين وهما تحت سقف واحد.

كيف ستسير الأمور؟
يبدي الأهل قلقًا بالغًا أمام هذه المشكلة. ستنتهي هذه الشقاوة أم لا؟ تدلنا الإحصائيات على أن أقل من نصف هؤلاء الأطفال سوف يحتفظون بهذه السلوكيات وتنشأ لديهم (شخصية مضادة للمجتمع) في سنوات عمرهم القادمة. وهناك عوامل خطورة لهذه النهاية المزعجة أهمها: البداية المبكرة للسلوك العدواني (في سن قبل المدرسة)، ملاحظة هذه السلوكيات في أكثر من مكان (البيت، المدرسة، الشارع،...)، تزايد شدة هذه الأعراض وكثرة تكرارها، وأخيرًا وجود صفات مماثلة لدى الأبوين أو أحدهما.

ماذا أفعل؟
يتفق جميع أطباء نفس الأطفال والمتخصصون في السلوك أن علاج مثل هذه الحالات يشكل تحديًا كبيرًا. ولاشك أن الاكتشاف المبكر وطلب المساعدة وتعاون الأهل تزيد من فرص التغلب على هذه السلوكيات، وتحمي الطفل من عواقب عدم علاجها. سأورد هنا أهم النصائح والإجراءات التي يُنصح بها الأهل لمساعدة ابنهم أو ابنتهم على تغيير سلوكهم، وهذا لا يُغني عن مراجعة الطبيب المختص:
- لابد من صرف اهتمام وجهد أكبر لمثل هذا الطفل. وتخيل لو أن أسرة رُزقت بطفل يعاني اضطرابًا خلقيًا، فمن الطبيعي أن ينال اهتمامًا أكثر من أشقائه الأصحاء.
- العديد من الأطفال الذين يعانون اضطراب السلوك هذا، يعانون أيضًا مشاكل نفسية أخرى أهمها اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه ADHD، واضطرابات المزاج، والقلق، واضطراب الشدة بعد الصدمة PTSD، وصعوبات التعلم وغيرها. وسيكون من أولويات الطبيب هنا هو علاج هذه الحالات المرافقة لأنها قد تكون المنبع الأساسي لاضطراب السلوك. كما لابد أن يُعرض الطفل على الطبيب للتأكد من خلوه من أي مرض عصبي أو صعوبة في السمع والبصر أو غيرها.
- المفتاح الأساسي في تغيير أي سلوك هو الاستخدام الحكيم لأسلوب الثواب والعقاب، وللأسف يقوم الآباء في معظم الأحيان - دون وعي - بتعزيز السلوكيات العدوانية وللطفل لا القضاء عليه! يحدث ذلك عندما نحرم الطفل من كل انتباه ورعاية إلى أن يقوم بفعل (شقي) وهنا نلتفت إليه، ونصرخ في وجهه. الرسالة التي نرسلها إلى الطفل حينها، (إذا أردت أن نهتم لأمرك فكن شقيًا)!. والصحيح أن نعزز في كل مناسبة التزام الطفل بالسلوك المناسب عبر الكلمات المشجعة واللمسات الرقيقة والهدايا المادية.
- نعتاد في عيادات الطب النفسي استخدام جدول (تعزيز السلوك) وهو عبارة عن جدول يومي يسعى إلى تغيير سلوك محدد، حيث يتم كتابته على رأس الجدول، ثم نستخدم ملصقات صغيرة تشبه (النجوم) تُلصق في كل مرة يقوم الطفل بفعل إيجابي. وعبر اتفاق مسبق، عندما يحقق الطفل عدد معين من (النجوم) مثلاً خمسة، عندها سيُمنح الفرصة لاختيار جائزته المفضلة (الذهاب إلى مطعم أو إلى مدينة الألعاب وهكذا).
- يجب ألا تُعطي اهتمام لأي سلوك سلبي. فقط اصرف انتباهك عنه كأن شيئًا لم يكن. وفي نفس الوقت أسرع في تعزيز أي سلوك إيجابي فورًا حتى لو كان الامتناع عن سلوك سلبي سابق. (مثلاً.. شوفوا حبيبي ما عاد يضرب أخوه) عندما يمتنع عن ذلك ولو لساعة واحدة، بدل (ليش ضربت أخوك).
ختامًا: لابد أن نتذكر أن عملية غرس سلوك جديد أمر معقد ويحتاج إلى العمل على أكثر من مستوى، ولفترة طويلة، وبمشاركة جميع أفراد الأسرة ولكنه أمر يستحق العناء.
منقول

[Nasma]

يمكن برأيي الحق الأغلب على الأهل بالرغم من الطفل يمللك استعدادات وراثية أو مزاجية بس الأهل هنن بعززوا هذا الاستعداد أما اذا الطفل ما شاف تعزيز اكيد هالصفات بتنضمر وبتختفي تقريبا
بمعنى : معاملة الأب القاسية , اهمال الأم لطفلها , صرفه للشارع , تمييزه عن أشقاؤه وكثير اشياء تعزز دافع العدوانية للطفل

[wiss]

شكرا اخت الاء موضوعك كتير مهم

[هدى النجار]

يسلموا الاء موضوع يستحق ان يطرح خاصة انه يتفاقم بشكل كبير وطبعا الاهل لهم دور في ذلك من خلال غياب التوجيه والتربية وايضا للبيئة الاجتماعية دور في ذلك

[ranooosh]

انا برايي مو بس الحق عل اهل لا وكمان المدرسة بتلعب دور كتيررررر كبير ناهيك عن وسائل الاعلام والالعاب اللي عم تتزايد يوم بعد يوم ..........
شكرا الاء موضوع يستحق القراءة

[Nasma]

طبعا ما التركيز الوحيد على الأهل بس أساس المشكلة

وشكرا آلاء

[آلاء]

Nasma
ranooosh
wiss
هدى النجار
شكرا لمروركن ورأيكن
كل العوامل والظروف الاجتماعية والبيئية المحيطة بالطفل(الأهل -المدرسة- الأصدقاء- وسائل الأعلام والألعاب )كفيلة بتعزيز السلوك الصادر منه
لذلك علينا اختيار الظروف المناسبة في تربيته بعيد عن أي أسلوب عدواني

[حمزة العثمان]

العمر (( 10 - 20 عام )) مرحلة مليئة بالإضطرابات ، و الطفل أو المراهق في هذه المرحلة ميال بشكل تلقائي لاتباع أي سلوك مخالف لضوابط الأسرة و المجتمع ، و إن إصلاح هذا السلوك بحاجة إلى وعي هذه الاسرة و ذاك المجتمع بماهية و طبيعة هذه المرحلة ، لإيصال الطفل إلى مرحلة الرشد بسلام .
أعتقد أنه من الخطأ الحديث في مثل هذه الأمور عن حوادث شخصية ، و لكن للفائدة فقط :
أنا من الأشخاص الذين قضيت فترة مراهقة مليئة بالإنحرافات ، و لا أقول الإنحرافات البسيطة لأنها كانت بالفعل جسيمة ، و لكن ما لبثت هذه الفترة أن انتهت و مرت بسلام ، السبب طبعا كان بالدرجة الأولى وعي والدي بطبيعة هذه المرحلة ، و اتباع اسلوب مناسب لها .
ما أريد قوله : إن إنحراف الطفل في هذه الفترة عن السلوك السوي لا يعد مشكلة بحد ذاته لأنه أمر طبيعي و شبه حتمي ، و لكن استمرار هذا الإنحراف حتى مرحلة الرشد مرده بالدرجة الأولى إلى كيفية معالجة هذه الإنحرافات في مرحلة الطفولة المتأخرة و مرحلة المراهقة من قبل الأسرة بالدرجة الأولى و المجتمع المحيط بالدرجة الثانية ، و لا أظننا نختلف في أن اسلوب الشدة و الترهيب المتبع مع المراهق لن يؤدي إلا لزيادة الإنحراف بل و الإصرار على هذا الإنحراف ، كذلك لا نختلف في أن اسلوب المسايسة فعال تماما في هذه الأحوال .

... الوسط ...

[آلاء]

مشكور أخي حمزة على رأيك ومرورك ع الموضوع