علامات كلية التربية حلب الفصل الثاني 2012


التسجيل قائمة الأعضاء البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة
المكتبة التربوية اكتب اسم البحث لتحصل على المساعدة منتدى الحقوق


 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع طريقة عرض الموضوع
المشاركة السابقة   المشاركة التالية
قديم 02-06-2009, 03:36 AM   رقم المشاركة : 1
مهند العبسي
تربوي مشاهد
 
الصورة الرمزية مهند العبسي





 

آخر مواضيعي

مهند العبسي غير متواجد حالياً

مهند العبسي is on a distinguished road


افتراضي فن التأمل


مقدمة
هل تفكرت يوماً في حقيقة وجودك، كيف حملتك أمك ثم ولدتك، فجئت الى هذا العالمولم تكن من قبل شيئاً؟
هل تأملت يوماً كيف تنبت تلك الأزهار المزروعة في أحواض غرفة الجلوس من قلب ترابأسود فاحم موحل بألوان زاهية وشذىً عطر؟
هل شغلك انزعاجك من طيران البعوض حولك عن التفكر كيف انها تحرك أجنحتها بسرعةفائقة تجعلك غير قادر على رؤيتها؟
هل تفكّرت يوماً بأن قشور الفاكهة المهملة هي في حقيقتها أغلفة حافظة عاليةالجودة، وبأن هذه الفاكهة - كالموز والبطيخ والبرتقال مثلاً- موضبة في داخلهابطريقة تحفظ طعمها وشذاها؟
هل تدبّرت يوماً كيف يمضي العمر حثيثاً، فتذكرت أنك سوف تشيخ وتصبح ضعيفاً وتفقدجمالك وصحتك وقوتك؟
هل فكرت في ذلك اليوم الذي سوف يرسل الله فيه ملائكة الموت لترحل معهم عن هذاالعالم؟
هل تساءلت يوماً لماذا يتعلق الناس بدنيا فانية فيما هم بحاجة ماسة الى المجاهدةمن أجل الفوز بالآخرة؟
ان الانسان هو المخلوق الذي أنعم الله عليه بملكة التفكير، ومع ذلك فإن معظمالناس لا يستخدمون هذه الملكة المهمة كما يجب، حتى أن بعض الناس يكاد لا يتفكرأبداً!..
في الحقيقة كل انسان يمتلك قدرة على التفكر هو نفسه ليس على دراية بمداها، وماان يبدأ الانسان باستكشاف قدرته هذه واستخدامها، حتى يتبدى له الكثير من الحقائقالتي لم يستطع أن يسبر أغوارها من قبل. وهذا الأمر في متناول أي شخص، وكلما استغرقالانسان في تأمل الحقائق، كلما تعززت قدرته على التفكر. ولا يحتاج الانسان في حياتهسوى هذا التفكر الملي والمجاهدة الدؤوبة من بعده..
إن الهدف من هذا الكتاب هو دعوة الناس الى" التفكير كما ينبغي"، وإبراز الوسائلالتي تساعدهم على ذلك. فالانسان الذي لا يتفكر يبقى بعيداً كليّاً عن إدراك الحقائقويعيش حياةً قوامها الإثم وخداع الذات، وبالتالي فإنه لن يتوصل الى مراد الله منخلق الكون، ولن يدرك سبب وجوده على الأرض.. فالله سبحانه وتعالى خلق كل شيء لسبب،وهذه حقيقة ذكرها عز وجل في القرآن الكريم بقوله: ?وما خلقنا السماوات والأرض ومابينهما لاعبين. ما خلقناهما الا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون? الدخان: ]38-39[. وقوله:?أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم الينا لا ترجعون?] المؤمنون: 115[
اذاً على كل انسان أن يتفكر في الغاية من خلقه لأن ذلك له علاقة مباشرة بهأولاً، وبكل ما يراه حوله في الكون وكل ما يعرض له في حياته تالياً. ان الانسانالذي لا يتفكر، لا يدرك الحقائق الا بعد الموت حين يقف بين يدي ربه ليلقى حسابه،وحينها يكون الأوان قد فات. والله تعالى يذكر في محكم كتابه إن كل الناس سوفيتفكرون عندما يعاينون الحقيقة في يوم الحساب ?وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكرالإنسان وأنّى له الذكرى يقول يا ليتني قدمت لحياتي? ]الفجر: 23-24 [
لقد أعطانا الله جلّ وعلا الفرصة للتفكر واستخلاص العبر ورؤية الحقائق في هذهالحياة الدنيا لنفوز فوزاً عظيماً في الآخرة، فأنزل الكتب السماوية، وأرسل الرسلداعياً الناس عبرهم للتفكر في أنفسهم وفي خلق الكون من حولهم.?أولم يتفكروا فيأنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى، وإن كثيراً منالناس بلقاء ربهم لكافرون? الروم:8
الفصل الأول

التفكّر العميق
معظم الناس يظن أن "التفكر العميق" يقتضي من الانسان أن يعتزل المجتمع ويقطععلاقاته بالناس ثم ينسحب الى غرفة خالية ويضع رأسه بين يديه و... إنهم يصنعون منالتفكر العميق قضية صعبة جداً، تجعلهم يخلصون الى القول بأن الأمر سمة خاصةبالفلاسفة فقط.. مع أن القضية أبسط من ذلك بكثير، فكما ذكرنا في المقدمة فإن اللهتعالى يدعو جميع عباده ليتفكروا ويتدبروا خاصة في آيات القرآن الكريم الذي أنزلهالله لهذا الغرض. يقول جل وعلا:? كتاب أنزلناه اليك مبارك ليدّبروا آياته وليتذكرأولوا الألباب? ]ص:29 [، ويمتدح الله تعالى عباده الذين يقودهم تدبّرهم وتفكّرهمالى إدراك الحقيقة وبالتالي الى مخافته سبحانه. فالمهم في الأمر كله اذاً أن يستطيعالانسان تطوير ملكة التفكر عنده وتعميقها أكثر فأكثر.
ان الانسان الذي لا يبذل جهده في التفكر والتدبر والتذكر يعيش في حالة دائمة منالغفلة، وحالة الغفلة التي يعيشها أولئك الذين لا يتفكرون، بما توحيه كلمة الغفلةمن التجاهل مع عدم النسيان والانغماس في الشهوات والوقوع في الاثم والاستخفافوالاهمال، هي نتيجة من نتائج تجاهلهم وتناسيهم للغاية من خلقهم ولكل الحقائق التييعلمهم اياها الدين، وهذا الأمر عظيم وخطير ومؤداه في النهاية الى نار جهنم؛ لذلكحذرنا القرآن الكريم أن نكون من الغافلين، فقال تعالى:?واذكر ربك في نفسك تضرعاًوخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين?] الأعراف:205 [وقال:?وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون? ]مريم:39 [.
ويبين الله تعالى زيغ الذين يتبعون ما ألفوا عليه آباءهم اتباعاً أعمى دون أنيفكروا بما يحمله التقليد من ضلال، ولو نوقشوا في أمرهم لأجابوا فوراً بأنهم مؤمنونبالله ملتزمون بتعاليمه، لكن بما انهم لم يعقلوا فيتفكروا ويتدبروا ويتّعظوا فإنايمانهم هذا لم يؤدّ بهم الى الصلاح وبالتالي الى مخافة الله الحقة.ان عقلية هؤلاءالبشر تظهر بوضوح من خلال الآيات التالية:?قل لمن الأرض ومن فيها ان كنتم تعلمون. سيقولون لله قل أفلا تذكرون. قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم. سيقولون للهقل أفلا تتقون . قل من بيده ملكوت كلشيء وهو يجير ولا يجار عليه ان كنتم تعلمون. سيقولون لله قل فأنّى تسحرون? ]المؤمنون: 84-90[

التفكر يبطل السحر عن الناس
في الآيات السابقة يسائل الله تعالى الناس?قل فأنّى تسحرون? تسحرونفي الآية الكريمة تعني حالة من الجمود العقلي تسيطر بشكل كامل على بعض الناس، فيغشىبصر من يصاب بها ويتصرف وكأنه لا يرى الحقائق أمام عينيه، وتضعف قدرته على التمييزوالحكم على الأمور، ويصبح عير قادر على ادراك الحقائق المبسطة، كما يغفل عن ما يدورحوله من أمور غير اعتيادية وتخفى عنه دقائق الأحداث. هذا الجمود العقلي هو الذي أدىالى أن يعيش البشر منذ آلاف السنين حياة الغفلة بعيدين كلياً عن التفكر والتدبروالاعتبار. ويمكن لهذا المثال الذي سنذكره الآن أن يوضح لنا تأثير هذا السحر الذيحل بشكل جماعي على الأمم:
كلنا يعرف أن هناك طبقة أرضية تسمى "الصهارة" تحتوي مواد مذابة علىدرجة عالية جداً من الغليان تكمن مباشرة تحت القشرة الأرضية؛ وبما أن القشرةالأرضية رقيقة جداً ويمكن مقارنة سماكتها بالنسبة الى الكرة الأرضية ككل بسماكةقشرة التفاحة بالنسبة الى التفاحة كلها، فإننا قريبون جداً من الانفجار الذي قديحدث لهذه الطبقة، فهو تقريباً تحت أقدامنا، ومع ذلك فمعظم الناس لا يتدبرون هذاالأمر، تماماً كما ان أهلهم وإخوانهم وأقاربهم وأصدقاءهم، وجميع وسائل الاعلامومنتجي البرامج التلفزيونية، وأساتذة الجامعات، لا يتنبهون الى هذا الأمر. ولكن لوافترضنا أن شخصاً مصاباً بفقدان الذاكرة الكلي، يحاول إعادة بناء ذاكرته والاستعلامعن محيطه عبر طرح الاسئلة على الناس من حوله، فمن المفترض أن أول سؤال سوف يتبادرالى ذهنه، أين أنا؟ ماذا لو قيل له انه يقف على عالم من النار الملتهبة، وأن هذااللهب يمكن أن يتفجر على سطح الأرض فيما لو حدثت أية هزة أرضية أو ثورةبركانية.
ولو افترضنا أن نفس الشخص أخبر بأن هذا العالم الذي يعيش فيه مجردكوكب يسبح في فجوة مظلمة مترامية الأطراف تسمى الفضاء، وهذا الفضاء يختزن هو الآخرطبقة ملتهبة أعظم خطراً من تلك الكامنة تحت سطح الأرض، تتحرك فيها -على سبيلالمثال- آلاف الأطنان من النيازك الحارقة بحرية تامة وليس هناك ما يمنعها أن تحيدعن مسارها وتصطدم بالأرض، بتأثير جاذبي من كوكب آخر -مثلاً- أو لأي سبب آخر.
إزاء كل هذه الحقائق لن يستطيع هذا الشخص أن ينسى خطورة الوضع الذييعيش فيه، ولسوف يبدأ بالتساؤل: كيف يمكن للناس أن يعيشوا في هذا المحيط، مع كل مايكتنفه من مخاطر، ويتمسكوا به ويعضّواعليه بالنواجذ؟! لكنه سوف يدرك فيما بعد انهناك نظاماً متكاملاً قد أخذ حيّزه من الوجود. فرغم الخطر الكامن داخل الكوكب الذييعيش فيه، هناك توازن دقيق يمنع هذا الخطر من إلحاق الضرر بالناس، إلا في ظروفاستثنائية، وهذا الادراك سيجعله يفهم أن الارض ومن عليها من مخلوقات انما تستمدوجودها وتعيش بأمان بإرادة الله تعالى وحده الذي أوجد هذا النظام المتكاملللحياة.
هذا واحد من ملايين، بل بلايين، الامثلة التي يجب أن يتفكر فيهاالبشر. ولعل إعطاء مثال آخر يساعدنا على أن ندرك كم تؤثر الغفلة على قدرة الناس علىالتفكر وتحد من قدراتهم العقلية.
يعلم الناس أن الحياة الدنيا فانية وأن العمر يمضي حثيثاُ ومع ذلكفإنهم يتصرفون وكأنهم لن يبارحوا هذا العالم وأنهم مخلدون. وهذا في الحقيقة نوع منالسحر تعاقبت على حمله الأجيال، وله تأثير بالغ عليهم لدرجة أنه عندما يتحدث شخص ماعن الموت فإن الناس يقفلون الموضوع مباشرة لأنهم يخافون أن يبطل هذا الحديث السحرعنهم ويضعهم في مواجهة الحقائق.
أولئك الناس الذين بددوا حياتهم كلها في شراء سيارة ومنزل جميل وآخرلقضاء العطلة الصيفية والبحث عن مدارس ذات مستوى ليرسلوا أبناءهم اليها، تناسواأنهم سوف يموتون في يوم من الأيام ويخلّفوا وراءهم البيوت والسيارات والأولاد،وتركوا التفكير بما يجب أن يقدموا للحياة الحقيقية بعد الموت. ان الموت قادم لامحالة، وكل الناس سوف يموتون حتماً عاجلاً أم آجلا ، واحداً تلو الآخر، سواء صدقواذلك أم لا، وبعد ذلك تبدأ الحياة الأبدية لكل منا، إما الى الجنة أو الى النار،فالأمر يعتمد على ما أسلف الانسان في هذه الحياة القصيرة. ومع أن هذه الحقائق واضحةكعين الشمس، فإن السبب الوحيد الذي يجعل الناس يتعاملون مع الموت وكأنه غير موجود،هو ذلك السحر الذي سيطر عليهم لأنهم أعرضوا عن التفكر.
ان الذين لا يؤدي بهم التفكر الى إنقاذ أنفسهم من هذا السحروبالتالي من حياة الغفلة سوف يفهمون الحقائق عندما يرونها رأي العين بعد الموت، قالتعالى:? لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد? ]ق:22[
فكما يقول الله تعالى في الآية الكريمة فإن البصر الذي تكتنفهالغشاوة في الحياة الدنيا بسبب عدم التفكر، ولكنه سيكون حاداً عندما يحاسب الانسانفي الآخرة بعد الموت.
وجدير بالذكر في هذا المقام أن الناس هم الذين يفرضون على أنفسهمهذا النوع من السحر بملء إرادتهم لأنهم يظنون انهم بهذه الطريقة سوف يعيشون حياةرغد واسترخاء. لكن من السهل جداً اتخاذ قرارالتخلص من الجمود العقلي وعيش الحياةبوعي وإدراك، فلقد قدم الله تعالى الحلول للناس، فالذين يتفكرون يستطيعون بكل سهولةأن يبطلوا عن أنفسهم هذا السحر فيما هم على قيد الحياة، ويفهموا كل ما يدور حولهممن الأحداث والغاية منها ودقائق معانيها، والحكمة مما يقضيه الله من أمور في كللحظة.

التفكر ممكن في أي زمان وأي مكان
ان التفكر والتدبر لا يستدعيان مكاناً أو زماناً أو شروطاً محددة،فاانسان يمكن أن يتفكر ويتدبر خلال المشي في الشارع، عند توجهه الى مكتبه، خلالقيادته لسيارته، أو خلال عمله أمام شاشة الكومبيوتر، أو خلال جلسات السمر معأصدقائه، وربما خلال مشاهدة التلفزيون أو حتى خلال تناول الطعام.
فخلال قيادة السيارة مثلاً يمكن يمكن رؤية مئات الأشخاص في الشوارع،وعندما ينظر الانسان الى هؤلاء الأشخاص يمكنه أن يتفكر في أمور شتى، فلربما انصرفذهنه الى الاختلاف الكامل في المظهر بين هؤلاء الناس، فليس هناك واحد منهم يشبهالآخر! كم هو مذهل هذا الاختلاف في المظهر بين الناس الذين لديهم نفس الأعضاء منالعيون الى الحواجب الى الرموش والأكف والأيادي والأرجل والأفواه والأنوف.. ولواستغرق الانسان في التفكير أكثر لتذكر أن الله قد خلق الالوف من البشر عبر بلايينالسنين وكل واحد منهم مختلف عن الآخر، وما ذلك الا دليل على عظمة الخالق سبحانهوتعالى. والذي يراقب كل هؤلاء الناس يحثّون الخطى؛ تتجاذبه أفكار شتى، فللوهلةالأولى يبدو أن كل واحد من هؤلاء هو نسيج وحده، له عالمه الخاص وأمنياته ومشاريعهوذوقه وأسلوبه في العيش، وأمور تفرحه وأخرى تحزنه.. ولكن هذه الخلافات بين البشرليست أساسية، فبشكل عام كل انسان يولد ويكبر ويتعلم ثم يتزوج وينجب الأولاد ويزوجهمفيصبح جدّاً أو جدة ثم يتوفى في النهاية.. من هذه الناحية ليس هناك اختلاف كبيرفيحياة الناس، سواء كانوا يعيشون في حي في استانبول أو في مدينة في المكسيك، فإن ذلكلن يغير شيئاً ، فكل هؤلاء الناس سوف يموتون وربما بعد قرن من الزمان لن يبقى منهمأحد على قيد الحياة. ومن يدرك هذه الحقائق لا بد أن يسأل نفسه: بما أننا في يوم منالأيام سوف نموت جميعاً لماذا يتصرف الناس وكأننا لن نبارح هذا العالم؟ ولماذايتصرف من أدرك حتمية موته وكأن هذه الحياة الدنيا لن تنتهي في حين يجدر به أن يجاهدمن أجل الفوز بالآخرة؟!
وفي حين أن غالبية الناس لا تتفكر بهذه الأمور فإن من توصل الىالتفكر بها سيخلص الى نتائج حاسمة. فلو سئل معظم الناس بشكل مفاجىء: بماذا تفكرونفي هذه اللحظة؟ سوف يظهر بوضوح انهم يفكرون بأمور ليست ذات بال ولا تعود عليهمبالنفع. وعلى كل حال، فإن كل انسان يمكن أن يتفكر بحكمة في أمور مهمة وذات قيمةومعنى ويتدبرها ويخلص الى نتائج من وراء ذلك. ويعلمنا القرآن الكريم أن من صفاتالمؤمنين أنهم يتفكرون ويتدبرون ليخلصوا الى النتائج التي تعود بالنفع عليهم.?إن فيخلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب، الذي يذكرون اللهقياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا م اخلقت هذاباطلاً سبحانك فقنا عذاب النار? آل عمران: 190-191 فكما تخبرنا الآيتان الكريمتانفإن تفكر المؤمنين مكّنهم من رؤية جانب الإعجاز في الخلق وتمجيد حكمة الله وعلمهوقدرته.
إخلاص النية لله عند التفكر
من أجل أن يعود التفكر بالنفع على الانسان ويهديه الى جادة الحق،يجب عليه أن يفكر دائماً بطريقة إيجابية. هناك فرق كبير بين من ينظر الى شخص حباهالله بحسن الهيئة من منظار عقدة النقص الناشئة عن عدم التكافؤ في المظهر الخارجيبينهما، فيشعر بالغيرة ويؤدي به تفكره الى ما لا يرضي الله، وبين من يسعى الى مرضاةالله فينظر الى هذا الشخص على أنه جمال من خلق الله، ويعتبر حسن هيئته برهاناً علىكمال الله في خلقه، فيشعر بسعادة غامرة ويدعو الله أن يزيد هذا الانسان جمالاً فيالآخرة، كما يدعو لنفسه أن يرزقه الله الجمال الأبدي في دار الخلود، ويفهم أنالانسان لا يمكن أن يكون كاملاً في الحياة الدنيا، لأن حياتنا هذه خلقت غير كاملةكجزء من ابتلائنا فيها، وبذلك كله يزيد توقه وتطلعه الى الفوز بالجنة. وهذا كلهمثالواحد على الإخلاص في التفكر، ولسوف يعرض للإنسان الكثير من الأمثلة المشابهةفي حياته، خاصة وأنه في امتحان دائم ليرى ان كان سيسلك سلوكاً حسناً ويفكر بأسلوبيرضي الله.
إن نجاح الانسان في امتحان التفكر، وكون التفكر سيعود عليه بالنفعفي الآخرة يعتمد على التدبر والاعتبار من الدروس والتحذيرات التي يستخلصها أثناءتفكره، ولذلك فإن من الضرورة بمكان أن يتفكر الانسان بصدق دائماً. قال تعالى:?هوالذي يريكم آياته وينزّل من السماء رزقاً وما يتذكر إلا من ينيب? ]غافر:13[.
الفصل الثاني
بماذا يتفكر الناس عادة؟
ذكرنا سابقاً أن الناس لا يتفكّرون ولا يطوّرون قدرتهم على التفكر،وبالإضافة الى ذلك يجب توضيح نقطة هامة. بالطبع هناك أسياء كثيرة تخطر على بالالانسان في كل لحظة من لحظات حياته، فبالكاد تمر دقيقة يكون عقل الانسان فبهاخالياً، باستثناء ساعات النوم. لكن معظم هذه الأفكار عديم الفائدة ولا طائل تحتهوغير ضروري؛ فهي لا تنفع في الآخرة ولا تؤدي الى أي مكان ولا تقدم أية منفعة.
فإذا حاول الانسان أن يتذكر بماذا فكر خلال النهار ثم سجّله ليراجعهفي آخر النهار سيدرك كم أن معظم أفكاره لا جدوى لها، وحتى لو وجد بعضها نافعاً فمنالأرجح أن يكون مخطئاً في تقديره. فبشكل عام الأفكار التي تبدو صحيحة قد لا يكونلها أي نفع في الآخرة.
وتماماً كما يضيّع الناس أوقاتهم في حياتهم اليومية بمعالجة أمورتافهة، فإنهم كذلك يمضون يومهم في اللغو منجرفين في أفكار غير ذات جدوى. وفي قولهتعالى:?قد أفلح المؤمنون.. والذين هم عن اللغو معرضون? ]المؤمنون:3[ ينصح اللهتعالى الناس أن يكونوا أقوياء العزيمة في اعراضهم هذا. وبالتأكيد فإن أمر الله هذايصح أيضاً على أفكار الناس. هذا لأننا إذا لم نسيطر على أفكارنا بوعي فإنها سوف تظلتنساب في عقولنا بشكل متواصل، فيقفز الإنسان دون وعي من فكرة إلى أخرى. فمثلاً،خلال التفكير بالأشياء التي سوف يتسوّقها في طريقه إلى البيت يجد نفسه فجأة يفكّربأشياء أخبره بها صديق قبل سنة أو سنتين: هذه الأفكار غير المضبوطة وغير النافعة قدتستمر دون اعتراض خلال النهار كله.
الا أن السيطرة على التفكير ممكنة. فكل منا يمتلك القدرة علىالتفكير بأشياء تفيده وتفيد إيمانه، وعقله، وتحسّن كياسته وإحاطته بالأمور.
وفي هذا الفصل سوف نذكر كل أنواع الأفكار التي يفكّر بها الغافلونبشكل عام. والغاية من ذكر هذه الموضوعات بالتفصيل ان يتنبّه الذين يقرأون هذاالكتاب فوراً عندما تمر أشياء مماثلة في أذهانهم - حين يكونون في طريقهم إلى العملأو المدرسة أو حين يزاولون أعمالهم اليومية - فوراً إلى أنهم يفكّرون بأمور غيرمجدية فيسيطروا على أفكارهم ويتفكّروا في أمور تعود عليهم بالنفع حقيقة.
مخاوف غير ذات نفع
عندما يفشل الإنسان في السيطرة على أفكاره وتوجيهها نحو البلوغ بهإلى حسن الختام، فإنه قد يشعر بالتخوف من شرور مرتقبة أو يتعامل مع الأحداث التي لمتحصل وكأنها حصلت بالفعل، فيقوده ضلاله إلى الحزن والكرب والخوف والقلق.
فمن عنده شاب يدرس لامتحان جامعي، مثلاً، قد يخترع سيناريوهات لماقد يحصل فيما لو رسب ولده في الامتحان قبل أن تجري الامتحانات: "إذا رسب ابني فيالامتحان، فإنه لن يستطيع أن يجد وظيفة جيدة في المستقبل يكسب منها ما يكفي منالمال، ولن يكون قادراً على الزواج، ولو تزوج سيستطيع تحمل مصاريف حفل الزفاف؟.. إذا فشل في الإمتحان فإن كل ما صرف من مال على الفصول التحضيرية سوف يذهب هباء،وفوق هذا سوف نكون محتقرين في أعين الناس... ماذا لو نجح ابن صاحبي ورسبابني..."
وسوء الفهم هذا سوف يستمر ويستمر، مع ان ابن هذا الشخص لم يخضعللامتحان بعد. وخلال حياته كلها لا يمكن للإنسان البعيد عن الدين أن يقاوم مثل هذهالمخاوف التي لا ضرورة لها، وهذا بالتأكيد له سببه. ففي القرآن ذكر السبب الذي يجعلالناس غير قادرين على التحرر من هذا القلق هو أنهم يعيرون سمعاً لوساوس الشيطان، إذيقول الشيطان?ولأضلنّهم ولأمنينّهم..? ]النساء:119 [ .
وكما يرى في الآية أعلاه فإن من يشغل نفسه بمخاوف لا جدوى منها،وينسى الله تعالى ولا يفكّر بصفاء، يكون دائماً عرضة لوساوس الشيطان. وبكلمات أخرىإذا كان الإنسان مخدوعاً بهذه الحياة الدنيا لا يستعمل قوة إرادته ويتصرف بوعي،وإذا سمح لنفسه بالانجراف بمجرى الأحداث فإنه يصبح تحت سيطرة الشيطان بشكل كامل. فإقلاق
ولذلك فإن التشاؤم وسوء الفهم والمخاوف المتحكمة في الذهن مثل "ماذاسأفعل إذا حصل كذا وكذا" سببها وساوس الشيطان.
والله سبحانه وتعالى يعلم الناس الطرق التي تقيهم من هذا الوضع. ففيالقرآن ينصح الله الناس باللجوء إليه إذا نزغهم من الشيطان نزغ فيقول:"إن الذيناتّقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون. وإخوانهم يمدّونهم فيالغيّ ثم لا يقصرون? ]الأعراف 201 - 202[ .
وكما هو مذكور في الآية فإن من يتفكّر يدرك الصواب ومن لا يتفكّريمضي إلى حيث يجره الشيطان. المهم ان نعرف أن هذه الأفكار لن تنفع الإنسان بل علىالعكس سوف تمنعه من التفكير بالحقيقة، والتفكر بأمور مهمة وبالتالي تطهير ذهنه منالأفكار غير المجدية. فلا يمكن للإنسان ان يتفكّر بطريقة صائبة إلا إذا حرر ذهنه منالأفكار التافهة. وبهذه الطريقة "يعرض عن اللغو" كما يأمر الله تعالى في القرآن.
الفصل الثالث
ما هي الأسباب التي تمنع الناس من التفكر؟
هناك عوامل عديدة تمنع الناس من التفكر، مجموع هذه العوامل أو بعضمنها، أو حتى واحد فقط قد يعيق تفكر الإنسان ويمنعه من ادراك الحقائق. لذلك يجبعليه أن يحدد العوامل التي تؤثر فيه سلباً ليتخلص منها، وإلا فإنه لن يستطيع أن يرىالوجه الحقيقي لهذه الحياة الدنيا، فيخسر خسراناً مبيناً في الآخرة.
والله سبحانه ينبئنا عن حال أولئك الذين تعوّدوا أن يفكروا بسطحية،فيقول تعالى?يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون. أولم يتفكروافي أنفسهم ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيراًمن الناس بلقاىء ربهم لكافرون? ]الروم: 7-8[.
وفيما يلي بعض العوامل التي تمنع الناس من التفكر:
اتباع الأكثرية يؤدي الى الجمود العقلي:
اعتقاد الناس أن ما تفعله الأكثرية بينهم هو الصحيح، من أهم الأسبابالتي تؤدي الى الضلال. فالإنسان عادة يفضل قبول ما تعلمه من الناس من حوله علىالبحث عن الحقيقة عبر التفكر، ويرى أن الأشياء التي تبدو غريبة للوهلة الأولى،يعتبرها الناس عادية لدرجة أنهم لا يتنبهون اليها، لذلك فإنه بعد فترة يبدأبالاعتياد عليها. مثال على ذلك: كثير من الناس حولنا لا يسلّم بأننا سنموت في يوممن الأيام، حتى انهم لا يسمحون لأحد بالتحدث عن هذا الموضوع كي لا يذكرهم بالموت. وعندما ينظر المرء حوله ويرى كيف يتصرف الناس فإنه يقول في نفسه: بما أن هذا حال كلالناس، لن يضيرني أن أتصرف بنفس الطريقة، فيعيش حياته دون أن يتذكر الموت أبداً،ولو أن الناس من حوله خافوا الله وجاهدوا في سبيل الفوز بالآخرة حق جهاد، لكان فيأغلب الظن غيّر تصرفه.
مثال آخر على ذلك: تنقل الصحف والتلفزيونات يومياً مئات الأخبار عنالكوارث والظلم والاضطهاد وغياب العدالة، وعن الجرائم وحالات الانتحار، كما تغطيحوادث السرقة وتأتي على ذكر أحوال آلاف المعوزين من البشر؛ ومع ذلك فإن كثيراً منالناس يطوون صفحات الجريدة، ويطفئون جهاز التلفاز وهم بشعرون بسكينة داخلية، وبشكلعام فإن الناس لا يتساءلون لماذا هذا الكم الهائل من تلك الأنباء، وماذا يجب فعلهإزاء هذا الواقع؟ وما سبل الوقاية التي يجب اتخاذها لمنع وقوع مثل هذه الأمور؟وماذا يمكنهم أن يفعلوا إزاء هذه المعضلات؟ بل ان معظمهم ينحو باللائمة على غيرهمتبعاُ مبدأ: "هل يتوقف عليّ إنقاذ العالم؟"
التكاسل الذهنيِ
التكاسل هو العامل الذي يمنع أغلبية الناس عن التفكر، وبسبب التكاسلالذهني يقوم الناس بأعمالهم بالطريقة التي تعوّدوا أن يروها دائماً دون تغيير. ولإعطاء مثال من خضم حيااتنا اليومية، فإن ربات البيوت ينظفن بيوتهن بنفس الطريقةالتي شاهدن والداتهن يقمن بها، وهنّ بشكل عام لا يتساءلن كيف يمكن إنجاز الأعمالبشكل أنظف وطريقة عملية أكثر، والأمر نفسه بالنسبة الى الرجال، فلو احتاج شيء ماالى إصلاح فإنهم يصلحونه بنفس الطريقة التي تعلموها منذ طفولتهم، ومعظمهم يرغب عنتطبيق أسلوب عملي جديد أكثر فاعلية. وأسلوب هذا النوع من الناس متشابه أيضاً،فالمحاسب مثلاً يتكلم بنفس الطريقة التي تكلم بها محاسب ما قابله في حياته.. والأمركذلك بالنسبة الى الأطباء والمصرفيين ومندوبي المبيعات.. وغيرهم من الناس الذينتجمعهم طبقة اجتماعية معينة فتكون لهم طريقة معينة في التحدث ولا يكلفون أنفسهمعناء التفكير للبحث عن طرق أفضل وأحسن وأصوب، إنما يقلدون ما سمعوه فقط!
كما أن الحلول المبتكرة للمشاكل تعكس كسلهم الذهني. فمثلاً، حارسمبنى ما يعالج مشكلة النفايات فيه تماماً كما كان يفعل من كان قبله، وعمدة مدينة مايحاول حل مشكلةزحمة المرور عبر مراجعة ما فعله من كان قبله. وفي حالات كثيرة عدمالتفكير يجعل صاحب المشكلة غير قادر على إيجاد حل.
طبعاً الأمثلة المذكورة أعلاه هي أمور يعاني منها الناس في حياتهماليومية، ولكن هناك قضية أهم من ذلك وأعمق بكثير لو أخفق الناس في التفكير فيها،فقد يؤدي بهم ذلك الى الخسران الأبدي المبين، والمقصود من هذا الكلام إخفاق المرءفي التفكر في الغاية من وجوده في هذه الدنيا، وتجاهله لحقيقة أن الموت لا يمكنتفاديه، وأننا حتماً سنبعث بعد الموت. ففي القرآن يدعونا الله الى التفكر في هذهالحقائق فيقول جلّ وعلا:? أولئك الذين خسروا أنفسهم وضلّ عنهم ما كانوا يفترون. لاجرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون. إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا الى ربهمأولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون? ]هود: 21-24[ ويقول أيضاً:?أفمن يخلق كمن لايخلق أفلا تذكّرون? ]النحل:17[.
كثرة التفكير مضرّة!
هناك قناعة سائدة في المجتمعات أن التفكير العميق مضر! فتجد الناسيحذر بعضهم بعضاًَ بالقول: " لا تفكر كثيراً، والا فقدت صوابك"! وهذه بالطبع ليستالا خرافة ابتدعها من نأوا بجانبهم عن الدين. ليس على الناس ان يتجنبوا التفكيرولكن عليهم أن يتجنبوا السلبية أو الانجراف في الوسوسة المبالغ فيها وسوء الفهم
ولأن أولئك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر يتفكرون دون أنيلزموأ أنفسهم بالخير والصلاح، فيتفكرون، ولكن بطريقة سلبية، فإنهم يخرجون منتأملاتهم بخلاصات لا تعود عليهم بأي نفع. فمثلاً، هم يتفكرون في كون الحياة الدنيامؤقتة، وفي حتمية الموت في يوم من الأيام، ولكن هذا الأمر يثير لديهم الكثير منالتشاؤم، بعضهم يتشاءم لأنه يعلم أنه يمضي هذه الحياة المؤقتة في معصية الله، ويحضرنفسه لنهاية بائسة في الآخرة، وبعضهم الآخر يتشاءم لأنه يعتقد أن أثره سيتلاشىكلياً بعد الموت.
أما الشخص الحكيم الذي يؤمن بالله واليوم الآخر فإنه يخرج بنتائجمختلفة تماماً عندما يتدبر في حقيقة هذه الدنيا الفانية.. فقبل كل شيء إدراكه لكونالحياة مؤقته يدفعه الى المجاهدة بشدّة من أجل حياته الحقيقية الأبدية في الآخرة. وبما أنه يعرف أن هذه الحياة سوف تنتهي عاجلاً أم آجلاً، فإنه لا ينجرف في طلبشهوات ومتاع الحياة الدنيا، بل على العكس من ذلك، فإنه يعرض عنها الى أبعد الحدود.. لا شيء في هذه الدنيا الفانية يزعجه فهو دائماً راضً عمّا قسمه الله له من نعموجمال، لأنه يعلّق آماله على الفوز بالحياة الأبدية المرضية. فقد خلق الله تعالىهذه الحياة الدنيا غير كاملة ليبتلي الناس، والمرء الذكي يفكر: إذا كان هذا العالمغير الكامل فيه هذا الكم من الجمال الذي يسعد الانسان، فلا بد أن جمال الجنة فاتنالى درجة تفوق الخيال، فتراه يأمل أن يعاين في الدار الآخرة منبع كل جمال يشاهده فيهذه الدنيا. وهذه القناعات كلها لا تتأتى لديه إلا عبر التفكر العميق.
ولذلك فمن الخسارة بمكان قلق الانسان من ان يصيبه التشاؤم إذا ماوصل الى الحقيقة ، وبالتالي تفاديه التفكر، لأن الانسان الذي يفكر دائماً بإيجابية،ويعلل النفس بالرجاء بفضل إيمانه بالله، ما من أمر يقوده الى التشاؤم.
تفادي المسؤولية التي تترتب على التفكر
يظن معظم الناس أن بإمكانهم التملص من مختلف المسؤوليات عبر تفادياللتفكر وتشغيل ذهنهم بقضايا معينة، وهم يحسبون أنهم إن فعلوا ذلك فسوف ينجحونبإبعاد أنفسهم عن كثير من الموضوعات. فواحدة من الطرق التي تخدع الناس تكمن فيافتراضهم أن بإمكانهم التهرب من مسؤولياتهم تجاه ربهم عبر عدم التفكر، وهذا هوالسبب الرئيسي الذي يجعل الناس لا يتفكرون بالموت والبعث من بعده. أذا تفكر المرءأنه سيموت في يوم ما، وتذكر أن هناك حياة أبدية بعد الموت، فإنه بالضرورة سيجاهدبشدة لحياته بعد الموت.. لكن مع ذلك، ترى بعض النفس يخدع نفسه خداعاً عظيماًبافتراضه أنه تخلص من هذه المسؤولية عندما لا يتفكر في وجود الآخرة، فإذا لم يحرزالإنسان الحقيقة في هذه الحياة الدنيا فإنه سوف يفهمها عندما يدركه الموت الذي لامهرب منه ?وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد. ونفخ في الصور ذلك يومالوعيد? ]ق:19-20[ .
عدم التفكر بسبب الانجراف في تيارالحياة اليومية
غالبية الناس يقضون حياتهم كلها في" عجلة"، فعندما يصلون الى سنمعينة يتوجب عليهم العمل والاعتناء بأنفسهم وبأسرهم. ويسمون ما يفعلونه"كفاحاً منأجل الحياة" ويشكون من عدم وجود وقت لديهم ليفعلوا أي شيء إذ عليهم أن يندفعوا فيسبيل كفاحهم هذا. وفي غمرة "ضيق الوقت" يصبح التفكر من الأشياء التي لا يمكنهمتخصيص أي وقت لها. ولذلك فإنهم ينجرفون الى أي مكان يسحبهم اليه تيار الحياةاليومية. وبطريقة العيش هذه يفقدون الاحسلس بالأمور التي تجري حولهم.
وعلى كل حال لا يجب أن يكون هدف الانسن تبديد الوقت بالاستعجال منمكان الى آخر. فالمهم أن يكون الاناسن قادراً على رؤية الوجه الحقيقي لهذه الحياةواتخاذ أسلوب للعيش وفقه. ولا يجب أن تقتصر غايات الانسان على كسب المال، أو الذهابالى العمل أو الدراسة في الجامعة أو شراء منزل.. فقد يحتاج الانسن باتأكيد الىالقيام بهذه الأشياء، ولكن عليه عند القبام بها أن يضع نصب عينيه دائماً أن هدفوجوده هو أن يكون عبداً لله وأن يسعى لاكتساب مرضاته ورحمته ودخول جنته، وباقيالأعمال تنفع كوسائل تعين الانسان على الوصول الى غايته الحقيقية. أما اتخاذ هذهالوسائل كغايات حقيقية وأهداف محددة فإنه خداع كبير يضل به الشيطان الانسان.
ومن يعيش دون أن يتفكر قد يجعل من هذه الوسئل غايته الحقيقية بكلسهولة. ويمكننا أن نضرب مثالاً على ذلك من حياتنا اليومية. فمما لا شك فيه أنه منالحسن أن يعمل وينتج أشياء ذات منفعة لمجتمعه. والمؤمن بالله ينجز مثل هذه الأعمالبحماس ويرجو الثواب من الله تعالى في الحياة بعد الموت. أما إذا قام إنسان بنفسالعمل دون أن يذكر الله ولأساب دنيوية فقط مثل السعي وراءالمنصب أو تقدير الناسفإنه يرتكب خطأً، لأنه حوّل أمراً ما من وسيلة لكسب مرضاة الله الى غاية. وسوف يندمعلى فعلته عندما يواجه الحقائق في الآخرة. وفي الآية التالية يشير الله سبحانهوتعالى الى أولئك الذين ينغمسون في هذه التصرفات في الحياة الدنيا بما يلي:?كالذينكانوا من قبلكم كانوا أشدّ منكم قوّة وأكثر أموالاً وأولاداً فاستمتعوا بخلاقهمفاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذي من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا أولئك حبطتأعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون? ]التوبة:69[
النظر الى كل شيء بعين العادة وبالتالي عدم رؤية أيةحاجة للتفكر فيها
عندما يصادف الناس أموراً معينة للمرة الأولى قد يفهمون طبيعتهاالاستثنائية مما قد يحفزهم على التحري أكثر عما يرونه. ويعد فترة تنشأ لديهم مقاومةاعتيادية لهذه الأشياء فلا تعود تؤثر بهم.
وبالتحديد فإن الأشياء والأحداث التي يلاقونها كل يوم تصبح عاديةبالنسبة لهم.
فعلى سبيل المثال قد يتأثر من يدرس الطب تأثراً بالغاً عندما يرىجثة للمرة الأولى أو في المرة الأولى التي يموت فيها أحد مرضاه. مما يجعلهم يتأملونملياً. ويمكن ان يكون السبب أنهم يواجهون انساناً بلا حياة أشبه بالبضاعة، كان منذدقائق مليئاً بالحياة يضحك ويخطط ويتكلم ويستمتع وتلمع عيناه بالحياة.. وعندما توضعالجثة أمامهم للتشريح للمرة الأولى فإنهم يتفكرون في كل شيء في هذه الجثة, يتفكرونبأن الجسد يفنى بسرعة كبيرة, وأنه تفوح منه رائحة نتنة، والشعر الذي كان جميلاًفيهما مضى يصبح غير جميل ولا يود أحد لمسه.. وبعد ذلك يتفكرون في أن مكونات كلالأجسام هي نفسها وكل واحد منا سيلاقي نفس النهاية, وأنهم هم أيضاً سينتهون الى هذاالشكل.
ولكن بعد رؤية بضع جثث أو فقدان بضعة مرضى ينشأ لدى هؤلاء الناسمقاومة اعتيادية لأشياء محددة فيبدأون بالتعامل مع الجثث وحتى المرض وكأنهمأشياء.
وبالتأكيد هذا الوضع لا يصدق على الأطباء وحدهم, فغالبية الناسينطبق عليها هذا الوضع في مناحي مختلفة من حياتهم. فمثلاً ينعم الله على انسان يعيشفي ظروف صعبة برغد العيش فإنه يفهم ان كل ما يمتلكه رحمة له. فسريره أصبح أكثر،ولبيته منظر جميل, ويمكنه ان يشتري ما يريد ويمكنه أن يدفئ منزله في الشتاء كمايرغب، وبإمكانه التنقل بسهولة بسيارة.. وغيرها من النعم كلها التي قسمت لهذاالانسان، وبالنظر بوضعه السابق فإنه يبتهج بكل واحدة منها، ولكن من يمتلك هذهالأشياء منذ نعومة أظافره قد لا يتفكر في قيمتها كثيراً.ولا يمكنه تقدير هذه النعمإلا إذا أعاد التفكر فيها.
ومن الناحية المقابلة فالإنسان الذي يتفكر لا فرق عنده إذا سواء كانامتلاكه لهذه النعم منذ ولادته أو أنه أحرزها فيما بعد. فهو لا ينظر إلى ممتلكاتهبطريقة اعتيادية إذ انه يعلم ان أي شيء يملكه قد خلقه الله وأن الله قادر علىاسترجاعه منه لو شاء. فمثلاً يدعو المؤمنون بالدعاء التالي عندما يركبون دوابهم, وهي السيارات في أيامنا هذه:? لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتمعليه وتقولوا سبحان الذي سخّر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنّا الى ربنا لمنقلبون ? ]الزخرف:13 [
وفي أية أخرى، يتعلم المؤمنون أن يقولوا إذا ما دخلوا حدائقهم: ماشاء الله لا قوة إلا بالله ]الكهف: 31[ وكلما دخلوها يتذكرون ان الله خلقها وهويمدها بأسباب الحياة. أما بالنسبة للإنسان الذي لا يتفكر قد يتأثر عندما يرى جمالالحدائق ولكنها فيما بعد تصبح مكاناً عادياً بالنسبة له, ويتلاشى تقديرهلجمالها.كما ان بعض الناس لا يلاحظون النعم أبداً لأنهم لا يتفكرون فيها، فهميعتبرونها أموراً عادية من المفروض وجودها، ولذلك فإنهم لا يستطيعون استشفاف المتعةمن جمالها.
خلاصة: من الضرورة أن يزيل الانسان كل الأسباب التيتمنعه من التفكر
كما ذكرنا سابقاً فإن كون معظم الناس لا يتفكرون ويعيشون غافلين عنالحقيقة ليس عذراً كافياً لعدم التفكر. فكل إنسان هو فرد مستقل بنفسه ومسؤول أمامالله عن نفسه فقط. ومن المهم جداً أن نضع نصب أعيننا أن الله يبتلي الناس في هذهالحياة الدنيا، وعدم اهتمام الآخرين وكونهم من الناس الذين لا يتفكّرون ولا يعقلونولا يرون الحقيقة هو جزء من ابتلائنا في معظم الأحيان. ومن يتفكر بصدق لا يقول:" إنمعظم الناس لا يتفكرون وليسوا على اطلاع بهذه لأمور فلماذا يجب عليّ أن أتفكروحدي؟" بل على العكس من ذلك فإنه يأخذ حذره من خلال تفكره في غفلة هؤلاء الناسويلجأ الى الله كي لا يكون واحداً منهم. فمن الواضح أن وضع هؤلاء الناس لا يمكن أنيكون عذراً له. وفي القرآن الكريم يعلمنا الله في الكثير من الآيات أن أكثرالغافلين لا يؤمنون.?وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين?] يوسف:103 [
?آلمر، تلك آيات الكتاب والذي أنزل اليك من ربك الحق ولكن أكثرالناس لا يؤمنون ? ]الرعد:1[
?وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعداً عليهحقاً ولكن أكثر الناس لا يعلمون ?] النحل:38 [
?ولقد صرّفناه بينهم ليذّكروا فأبى أكثر الناس إلا كفوراّ ?] الفرقان:50 [
وفي آيات أخرى يبلغنا الله بنهاية هؤلاء الذي ضلّوا لأنهم اتبعواالأغلبية ففشلوا في اطاعة أوامره لأنهم نسوا الغاية من خلقهم ? وهم يصطرخون فيهاربنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل، أولم نعمّركم ما يتذكّر فيه من تذكروجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير?
]فاطر:37[
لهذا السبب يجب على كل انسان أن يتخلص من الأسباب التي تمنعه منالتفكر، وأن يتفكر بصدق وإخلاص ويستخلص العبر والتحذيرات من تفكره.
وفي الفصل التالي سوف نناقش ما يمكن أن يتفكر فيه الانسان من أحداثومخلوقات يصادفها في حياته اليومية، وهدفنا أن تؤمن هذه الموضوعات لقراء هذا الكتابأرشاداً يساعدهم على قضاء ما تبقى من حياتهم كأشخاص يتفكرون ويستخلصون العبر ممايتفكرون فيه.
الفصل الرابع
تلك الأشياء التي يجب أن نتفكّر فيها
من بداية هذا الكتاب، أشرنا الى أهمية التفكر، والمنافع التي يجلبهاللإنسان، والى كونه ملكةً مهمة جداً تميّز الانسان عن غيره من المخلوقات. كما ذكرناأيضاً الأسباب التي تمنع الناس من التفكر. والهدف الرئيسي من ذلك كله تشجيع الناسعلى التفكر ومساعدتهم على إدراك الغاية من خلقهم وتعظيم قدرة الله وعلمه اللامحدودين.
في الصفحات التي تلي سوف نحاول ان نصوّر بماذا يمكن للإنسان المؤمنبالله أن يتفكرمن خلال ما يمر به من اشياء يومياً، وما هي العبر التي يمكن أنيستخلصها من الأحداث التي يشهدها، وكيف يجب عليه أن يشكر الله ويتقرب اليه عندمايعاين علمه وإبداعه -سبحانه وتعالى- في كل شيء.
بطبيعة الحال ما سنذكره هنا لا يغطي الا قسماً صغيراً من قدرةالإنسان على التفكر، فالإنسان عنده القابلية للتفكر في كل لحظة (ليس في كل ساعة ولادقيقة ولا ثانية، بل في كل لحظة) من حياته. ومدى قدرته على التفكر واسع لدرجةيستحيل معها وضع حدود أو ضوابط له. والهدف مما سنذكره هو مجرد فتح الأبواب أمامالناس للاستفادة من ملكة التفكيرعندهم كما يجب.
يجب أن تتولد في الذهن القناعة بأن الأشخاص الذين يتفكرون هم وحدهمالقادرون على فهم وتقدير مختلف الأمور. وقد ذكر الله في الآيات الكريمة التالية حالأولئك الذين لا يبصرون الأمور الاعجازية من حولهم فلا يستطيعون التفكر فيها، فقالتعالى:?ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاءً ونداءً، صمُّ بكمُعميُ فهم لا يعقلون?]البقرة: 171[ ?... لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرونبها ولهم آذان لا يسمعون بها، أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون? ]الأعراف:179 [?أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم كالأنعام بل هم أضلسبيلاً? ] الفرقان:44[ .
ان الذين يتفكرون يرون آيات الله والجوانب الإعجازية في المخلوقاتوفي الأحداث، فيفهمون، وأمثالهم هم القادرون على استخلاص العبر من كل شيء حولهم،كبيراً كان أم صغيراً.
عندما يستيقظ الإنسان في الصباح...
لا يحتاج المرء الى شروط خاصة للبدء بالتفكر، فمن اللحظة التينستيقظ فيها من النوم، تجد الكثير من الأفكار طريقها الينا، فهناك يوم كامل يمتدأمامنا، قلما نشعر خلاله بالتعب أو النعاس، ونكون على استعداد لمعاودة كل الأمورمرة أخرى. والتفكر بهذا يذكرنا بقوله تعالى:? وهو الذي جعل لكم الليل لباساً والنومسباتاً وجعل النهارنشوراً?]الفرقان:47[.
عندما نغسل وجوهنا أو نستحم نستجمع قوانا ونستعيد رشدنا بشكل كامل،وعندها نصبح على استعداد للتفكر في أشياء مفيدة، فهناك شؤون التفكر فيها أهم بكثيرمن التفكير ماذا سنتناول كفطور، أو في أي ساعة سنغادر المنزل! فقبل كل شيء كوننااستطعنا أن نستيقظ في الصباح معجزة عظيمة في حد ذاتها، فرغم كوننا فاقدي الوعيكلياً خلال النوم فإننا في الصباح نستعيد وعينا ووجودنا، وتخفق قلوبنا، ونتمكن منالتنفس، والكلام والرؤية والمشي.. مع أنه ليس هناك ما يضمن أن هذه النعم ستعودالينا في الصباح، أو اننا لن تصيبنا أي مصيبة خلال الليل. فلربما أدّى شرود أحدالجيران الى تسرب غازي، فيوقظنا حدوث انفجار كبير، أو قد تحدث كارثة في المنطقةالتي نعيش فيها نخسر على إثرها أرواحنا..وقد نتعرض لمشاكل أخرى في أجسامنا، فقدنستيقظ مصابين بآلام مبرحة في الكلى، أو الرأس ، ومع ذلك، لم يحدث شيء من هذاواستيقظنا في الصباح آمنين مطمئنين.. التفكر بهذه الأمور يجعلنا نشكر الله علىرحمته بنا وحفظه لنا. فاستهلال النهار بصحة جيدة معناه أن الله يعطينا فرصة أخرىلتحقيق المزيد من أجل آخرتنا.
لذلك، فإن أفضل ما نفعله أن نمضي يومنا في مرضاته سبحانه وتعالى،ونجعلها قبل كل شيء، فنخطط لإبقاء أذهاننا مشغولة بمثل ما ذكرناه من أفكار. ونقطةالبداية في تحصيل مرضاة الله، سؤله أن يعيننا في أمرنا هذا، ودعاء سيدنا سليمانعليه السلام مثال جيد لكل المؤمنين:?ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلىوالديّ وأن أعمل صالحاً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين?]النمل:19[.
بماذا يجعلنا ضعفنا نتفكر؟
ملاحظة مدى ضعفنا عندما نستيقظ من الفراش يدفعنا الى البدء بالتفكر،وعندما نستحم أو نغسل وجوهنا وننظف أسناننا كل صباح نستغرق في التفكير بأشياء أخرىتدل على ضعفنا، فالطبقة الجلدية في جسمنا تخفي تحتها مشهداً رهيباً، وأجسادنا عرضةللالتهابات بأنواعها، ولا أحد منا يستطيع احتمال عدم النوم أو الصبر على الجوعوالعطش، وهذه كلها من دلائل ضعفنا.
وإذا كان من ينظر في المرآة مسناً، فقد تخطر على باله أفكار أخرى،فأولى علامات الشيخوخة تظهر في الوجه بعد العقد الثاني من العمر، إذ في الثلاثينياتتبدأ التجاعيد بالظهور تحت العينين وحول الفم ولا يعود الجلد متورداً، ومع تقدمالعمر يبدأ الجسم بالذبول، ويتحول لون الشعر الى الأبيض وتظهر الشيخوخة حتى علىاليدين.
عندما نتفكر في هذه الأمور نجد أن الشيخوخة من أهم الوقائع التيتكشف الطبيعة المؤقتة لهذه الحياة الدنيا. فمن يشيخ يشعر بأن العد العكسي لحياته قدبدأ، وفي الحقيقة فإن ما يشيخ وما يجري عليه العد العكسي هو الجسد ، الذي يذبلشيئاً فشيئاً ، أما الروح فلا تشيخ.
ومعظم الناس يتأثر في شبابه بكونه حسن الهيئة أو غير جذاب، فيجنحأصحاب الهيئة الحسنة الى التعجرف، أما من هم أقل منهم حظاً في الجمال، فيشعرونبعقدة النقص وعدم السعادة، فتأتي الشيخوخة لتظهر أن الجمال والقبح أمران مؤقتان،وأن ما ينفع عند الله وما يقبل عنده أعمال الانسان الصالحة والتزامه بأوامر اللهوحسن خلقه.
في كل مرة نواجه فيها ضعفنا ندرك أن الكمال والتنزه عن النقص همالله وحده، مما يدفعنا الى تمجيد عظمة الله. فالله تعالى خلق كل ضعف في الانسانلهدف، ومن هذه الأهداف مساعدة الناس على عدم التعلق بالحياة الدنيا، وعدم البغيفيما أوتوا. ومن أدرك هذا عبر التفكر فإنه سيدعو الله أن يعيد خلقه في الآخرةخالياً من الضعف.
شيء آخر يلفت النظر في أمر ضعفنا ندعو أولئك الناس المغرورينوالمتعجرفين الى تدبّره والاعتبار منه: انظروا الى الوردة تنبت من تراب أسود موحل،بشذى صافٍ نظيف، فيما تفوح من البشر رائحة لا تحتمل إذا لم نعتن بنظافتنا كمايجب!..
بماذا تجعلنا بعض معالم جسم الإنسان نتفكّر
ولا يقتصر التفكّرعند النظر في الملرآة على ما ذكرناه، فقد تخطرعلى بالنا أشياء كثيرة لم نتفكر فيها من قبل، مثل رموش عيوننا وحواجبنا، وكيف أنأسناننا وعظامنا تتوقف عن النمو عندما تصل إلى طول معين فيما يستمر الشعر بالنمو. وبكلمات أخرى كيف أن أعضاء الجسم التي يسبب نموها الزائد مساوئ وقبحا ًتتوقف عنالنمو، وتستمر الأخرى التي تضفي على الإنسان جمالاً - كالشعر مثلاً- بالنمو، هذا معملاحظة التكامل والتناسق التام في نمو العظام. فلا تنمو الأطراف العليا من الأيديوالأرجل بدون فائدة جاعلة الجسم يبدو دون الحجم بالنسبة لها.. فنمو العظام يتوقف فيالوقت المناسب، كما لو أن كل عظمة تعرف المقدار الذي يجب أن تصل إليه.
صحيح أن الأمور التي ذكرناها تحدث كنتيجة لتفاعلات كيميائية معينةفي الجسم، ولكن الإنسان الذي ينظر اليهل لا بد أن يتساءل: كيف تحدث هذه التفاعلاتالكيميائية، ومن الذي قدر الكميات المحددة للهرمونات في أنزيمات الجسم، لتنظم النموفي جميع أنحائه؟ ومن يضبط كمية إفرازات هذه الهرمونات؟ بدون شك من المستحيل الادعاءأن هذه الأشياء تحدث بمحض الصدفة، ومن المستحيل أيضاً للخلايا التي يتأسس منها جسمالإنسان والذرات غير العاقلة التي تتألف منها الخلايا أن تتخذ مثل هذه القرارات ،لذلك فإن من الواضح أن كل ما ذكرناه هو من إبداع الله تعالى الذي خلقنا في أحسنتقويم.
..في الطريق
مباشرة بعد الاستيقاظ من النوم صباحاً والاستعداد يمضي معظم الناسفي شؤونهم فمنهم من يتوجه إلى عمله ومنهم من يذهب إلى المدرسة، ومنهم من يمضيلتسوية بعض الأمور في مكان ما في هذا العالم الرحب. بالنسبة للمؤمن هذه الرحلةالقصيرة هي نقطة البداية للقيام بالأعمال الصالحة التي ترضي الله سبحانه وتعالى. فعندما نستيقظ نشكر المولى تعالى الذي وهبنا يوماً آخر نكسب فيه من رزقه، والآن وقدمضينا في أمرنا، فقد بدأت الرحلة التي يمكن أن نكسب من خلالها هذا الرزق وعندمانتفكر في هذا الأمر لا بد أن نذكر قوله تعالى ?وجعلنا النهار معاشا?[النبأ:11]. ووفقاً لهذه الآية يجب علينا أن نخطط كيف سنمضي يومنا في أعمال ذات نفع للعباد ترضيالله سبحانه وتعالى.
وعندما نترك المنزل نمر بشكل تلقائي بالكثير من الأمور التي يجب أننتفكر فيها، فهناك الآلآف من الناس والسيارات والأشجار الكبيرة والصغيرة، والتفاصيلالتي لا تعد ولا تحصى من حولنا، وبالطبع فإن توجهات المؤمن محددة، فسوف نحاولالاستفادة لأقصى الحدود مما نراه حولنا ونتفكر في الأحداث والأسباب. فما يمر بنا منمشاهد إنما يمر بعلم الله وإرادته، ولا بد أن يكون هناك سبب من وراء ذلك فبما أنالله جعلنا نخرج، ووضع هذه المشاهد أمامنا، فلا بد أن فيها ما يجب أن نراهونتدبره.
وحين نصل إلى سيارتنا أو أي وسيلة نقل أخرى. وفي خلدنا كل هذهالأفكار. نشكر الله مرة أخرى، إذ مهما كانت المسافات طويلة فقد سخر لنا الله وسيلةللوصول، وكما هو معلوم، فقد خلق الله للناس الكثير من الوسائل ليستعينوا بها فيالسفر. وقدّم التطور التكنلوجي إمكانيات جديدة مثل السيارات والقطارات والطائراتوالسفن والمروحيات والحافلات وغيرها. وعند يتدبّر هذا الأمر يتذكر الإنسان أن اللهتعالى هو الذي سخّر التكنولوجيا في خدمة البشرية. ففي كل يوم يخرج العلماءباكتشافات واختراعات جديدة تسهل علينا حياتنا، وهميصلون اليها جميعاً بالوسائل التيخلقها الله على الأرض. ومن يتفكر، يتابع رحلته شاكراً المولى تعلى الذي سخر لخدمتناكل هذه الأمور.
وفيما نمضي في وجهتنا حاملين مثل هذه الأفكار فإن كومة نفايات، أورائحة كريهة أو أماكن معتمة نمر بها تثير في أذهاننا أفكاراً متعددة.
فقد خلق الله في هذا العالم أماكن ومشاهد تجعلنا قادرين على تصورالجنة والنار، أو التخمين من خلال المقارنة كيف ستكونان. فأكوام النفايات والروائحالكريهة والأماكن الضيقة المعتمة القذرة تسبب كرباً كبيراً لأرواحنا ! ولا أحد يودأن يكون في مثل هذه الأماكن، وكل هذه الخصائص تذكر الإنسان بجهنم، وكل من يلتقيبهذه المشاهد يتذكر الآيات التي تتحدث عن النار: فالله سبحانه وتعالى يصف لنا ظلمةوقذارة وكراهة المشاهد في جهنم.
?وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال. في سموم وحميم. وظل من يحموم. لابارد ولا كريم?[الواقعة:41-44].
?وإذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً مقرنين دعوا هنالك ثبورا. لا تدعوااليوم ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيرا?[الفرقان:13-14].
وعند تذكر هذه الآيات القرآنية ندعو الله أن يجيرنا من نار جهنمونسأله أن يغفر لنا ذنوبنا.
ومن زاوية أخرى فإن الإنسان الذي لا يوظف أفكاره بهذه الطريقة سوفيمضي نهاره متذمراً قلقاً، باحثاً عمّا يغضب في كل حدث، فيستشيط غاضباً من الناسالذين يلقون نفاياتهم ومن البلدية التي تتاخر في جمعها، ويشغل ذهنه طوال النهاربأفكار غير مجدية لا تنفعه في آخرته، مثل زحمة السير الناجمة عن الحفر في الطرقات،وكيف أصابه البلل نتيجة توقعات خاطئة لخبراء الأرصاد الجوية، وكيف حصل علاوة علىذلك على توبيخ غير منصف من رب العمل. وهذه الأفكار التافهة لا تنفع في الآخرة، وقديتوقف الإنسان عن التفكير فيما إذا كان عليه ان يتخلى عن مثل هذه الأفكار المتعددة،والغريب ان الكثير من الناس يدّعون أن السبب الحقيقي الذي يشغلهم عن التفكر هوالكفاح الذي عليهم أن يخوضوه في هذا العالم، فيتعللون بالمشاكل الصحية وتأمينضروريات الحياة والطعام وغيرها.. وهذه ليست سوى أعذار، فمسؤوليات المرء وأوضاعه لاعلاقة لها بالتفكير فمن يحاول أن يفكر لينال رضى الله سوف يجد أن الله في عونه،وسوف يرى الأمور التي كانت بالنسبة له مشاكل قد حلت واحدة واحدة وفي كل يوم يمر سوفيكون قادر على تخصيص المزيد من الوقت للتفكر وهذا أمر مفهوم ومجرب فقط من قبلالمؤمنين.
بماذا يجعلنا هذا العالم المتعدد الألوان نتفكر؟
خلال متابعة رحلتنا نحاول أن نراقب ما حولنا من آيات الله وإعجازهفي خلقه فنقدّره سبحانه وتعالى حق قدره عندما نتفكر فيها.
عندما ننظر من شباك السيارة يطالعنا عالم متعدد الألوان، فنتساءل: لو لم يكن هذا العالم متعدد الألوان كيف كان سيبدو كل شيء فيه؟
أنظروا في الصورة في أسفل الصفحة وتفكروا : هل ستكون بهجة المناظرالطبيعية من جبال وبحار وحقول وأزهار هي نفسها دون ألوان؟ وأي متعة سنستقيها منمشاهد السماء والفاكهة والفراشات والثياب ووجوه الناس بغياب الألوان؟
فضل من ربنا تعالى أننا نعيش في عالم متعدد الألوان نابض بالحياة . فمهرجان الألوان الذي نشاهده في العالم، وهذا التناسق الكامل في ألوان الكائناتالحية آيات شاهدة على إبداع الله الذي لا يضاهى وتفرده في الخلق .
لا شيء من مشاهد الطبيعة يؤذي العينين، فالتفاعل الدقيق بينالألوان، وتناسق الألوان في الكائنات الحية من أزهار وطيور وبحار وسماوات وأشجاروغيرها يورث السكينة في النفس ويعطي الراحة للعينين. وكل هذا يدل على الكمال في خلقالله.
ومن خلال التفكر في هذه الأمور نفهم أن كل ما نراه حولنا هو نتاجعلم الله وقدرته اللامحدودين.
وفي مقابل هذه النعم التي منحنا إياها الله علينا أن نخافه سبحانهوتعالى ونسأله أن لا يجعلنا من الكافرين بأنعمه. والله سبحانه وتعالى يذكرنا فيالقرآن الكريم بوجود الألوان، ويذكر أنه لا يخشاه تعالى من عباده إلا العلماء، كمايبين سبحانه وتعالى أن المؤمنين يتفكرون ويتدبرون دائماً، ويستخدمون ألبابهم فيالاكتشاف واستخلاص العبر والنتائج.
?ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات مختلفاًألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود. ومن الناس والدوابوالأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء إن الله عزيزغفور?[فاطر:27-28]
بماذا يجب أن تذكّرنا عربة نقل الموتى
ومن يمضي لشأنه مستعجلاً قد تعترض طريقه فجأه عربة نقل الموتى، وفيهذه الصدفة فرصة للمرء ليلتقط أنفاسه. فهذا المشهد الذي قد يلتقيه سيذكره بحتفه. فيوماً ما هو أيضاً سوف يكون في عربة نقل الموتى. ومهما حاول الانسان تفادي الموتفإنه ملاقيه لا محالة، عاجلاً أم آجلاً، سواء كان في سريره أو في طريقه أو في إجازةفإنه سوف يغادر هذا العالم قطعاً، فالموت حقيقة لا يمكن تفاديها.
في تلك اللحظة يتذكر الانسان المؤمن الآيات التالية:? كل نفس ذائقةالموت ثم إلينا ترجعون. والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوّئنهم من الجنة غرفاًتجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين. الذين صبروا وعلى ربهميتوكلون? ]العنكبوت: 57-59[ .
وبالطبع فإن تفكرالإنسان أن جسده سوف يوضع في كفن، ويواريه أقاربهالثرى، وأن اسمه وشهرته سوف يحفران على شاهد قبره، يزيل تعلّقه بالدنيا. ومن يفكربهذه الأمور بإخلاص وصدق يكتشف كم من الحماقة الاستجابة لمتطلبات جسد سوف يفنى فيالتراب.
في الآيات من سورة العنكبوت يبشر الله عباده الصابرين والمتوكلينعليه بمباهج الجنة بعد الموت، ولهذا عندما يتفكر المؤمنون في أنهم سيموتون في يوممن الأيام، يحاولون العيش مخلصي النية لله ملتزمين حسن الخلق وصالح الأعمال التيأمر الله بها للفوز بالجنة. وكلما تذكروا قرب الأجل تزداد عزيمتهم ويحاولون التخلّقبأسمى القيم والاستزادة منها أكثر فأكثر خلال حياتهم.وعلى العكس منهم فإن الذييعطون الأولوية لغير هذه الأفكار ويمضون حياتهم في قلق لا طائل تحته، لا يتذكرون أنالموت واقع بهم حتى لو مروا بعربة نقل الموتى أو المقبرة نفسها، وحتى لو توفي أحدأحبائهم.
خلال النهار
في مواجهة كل الأحداث التي يمر بها خلال النهار لا يبرح المؤمنيتفكر في آيات الله محاولاً إيجاد تفسير لدقائق الأمور.
والمؤمن يتلقى كل نعمة أو ابتلاء بالقبول الحسن الذي يرضي اللهسبحانه وتعالى. وليس لاختلاف الأماكن أهمية كبرى عند المؤمن، فهو يتدبر كون اللهخالق كل شيء، ويحاول أن يبحث عن الغايات الكامنة وراء ما قدر الله من أحداث وما خلقمن محاسن، سواء كان في المدرسة أو العمل أو السوق. فالمؤمن يعيش حياته مهتدياًبآيات الله، وتصرف المؤمنين هذا مستمد من الآيتين التاليتين:
?رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاءالزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار. ليجزيهم الله أحسن ما عملواويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب?[النور:37-38].
بماذا تجعلنا الصعوبات التي تعترضنا نفكر؟
قد يتعرض الإنسان لمختلف الصعوبات في النهار. ولكن مهما كانت هذهالصعوبات عليه أن يضع ثقته بالله ويتذكر أن الله يمتحننا بكل شيء نفعله ونفكر فيهفي هذه الحياة الدنيا. وهذه حقيقة مهمة جداً يجب أن لا نغض الطرف عنها ولو للحظات،ولذلك إذا واجهتنا صعوبات فيما نفعله أو فكرنا بأن الأمور لا تسير في وجهتهاالصحيحة، لا يجب أن ننسى أبداً أن هذه الأمور قد قدّرت علينا كجزء من امتحاننا،وهذه الأفكار التي تمر في ذهن الانسان تصح على الأمور الأساسية والفرعية التيتعترضنا خلال يومنا، فمثلاً قد نتكلف مبالغ إضافية نتيجة الإهمال أو سوء الفهم، وقدنخسر ملفاً في الكمبيوتر أمضينا ساعات في إعداده نتيجة لانقطاع التيار الكهربائي،وقد يرسب الطالب في امتحان جامعي مع أنه بذل مجهوداً في الدرس وقد يمضي نهارنا ونحنواقفون في صف طويل نظراً لتأخر تقدم عمل ما بسبب الإجراءات البيروقراطية، وقد نخطئفي عملنا نتيجة نقص في الملفات وقد يفوت الإنسان الطائرة أو الحافلة في طريقه إلىمكان من الضروري أن يصل إليه.
وهناك عدد كبير من أمثال هذه الصعوبات أو المشاكل التي قد تعترض- أوانها قطعاً- سوف تعترض الإنسان خلال حياته.
في كل هذه الأحداث الإنسان الذي يحمل الإيمان يجزم بأن الله يبتليهفي إيمانه وفي صبره، ومن الحماقة بمكان بالنسبة للإنسان الذي سيموت ويحاسب فيالآخرة أن ينجرف في مثل هذه الأحداث وأن يضيع الوقت في القلق بشأنها. فالمؤمن يعلمأن هناك خيراً وراء كل هذه الأحداث. فهو لا يقول واحسرتاه لأي حدث ويسأل الله أنيسهل له أموره ويحسن به الظن في جميع الأمور.
وعندما يتبع اليسر المصاعب ندرك أن هناك استجابة لدعائنا وأن اللهسميع مجيب الدعوات. فنشكره سبحانه وتعالى.
وبتمضية النهار ونحن نتفكر في هذه الأفكار لا يفقد الانسان الأملولا يقلق ولا يشعر بالأسف أو اليأس مهما مر به.. فنحن نعلم أن الله خلق كل هذهالأمور لخيرنا وان هناك رحمة فيها.وفوق ذلك علينا أن نفكر بهذه الطريقة ليس فيالأمور الأساسية التي تقع لنا، وإنما أيضاً في الفاصيل كبيرها وصغيرها التي نقابلهاخلال حياتنا اليومية كما ذكرنا من قبل.
فكروا بإنسان لا يستطيع أن يسوي أمراً بالطريقة التي يتمناها أويتعرض لمشاكل جدية وهو على وشك الوصول إلى هدفه. هذا الشخص يصبح فجأة غاضباً حزيناًومكروباً وباختصار تتكون لديه جميع أنواع المشاعر السلبية، ولكن من يتذكر بأن هناكخيراً في كل أمر، يحاول البحث عن الغاية الخفية في هذا الحدث الذي أظهره الله.
فقد يفكر بأن الله قد لفت انتباهه كي يحسب لأمره هذا حسابات أدق. فيقول ربما ساعدني ما حصل على تجنب ضرر أعظم.
فمن تفوته الحافلة وهو يحاول الوصول إلى موعد معين قد يفكر أنه ربماقد وقي بتأخره من التعرض لحادث في الحافلة، أو لضرر أكبر من ذلك. وهذه فقط أمثلةقليلة، فقد يفكر الإنسان أيضاً بأن هناك الكثير من الغايات الكامنة وراء تأخره هذا،وهذه الأمثلة قد تتضاعف في حياة الإنسان. والمهم في هذا كله أن مشاريعنا قد لا تحلبالطريقة التي نتمناها. فقد نجد أنفسنا في وضع مختلف تماماً عن الذي خططنا له. وفيمثل هذه الظروف فإن يسلّم ويبحث عن الخير في الأحداث المعينة التي يواجهها يفوز،يقول الله تعالى:
?كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكموعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون?[البقرة:216].
فكما يذكر الله تعالى في هذه الآيات، فنحن لا نعلم ولكن الله هوالذي يعلم ما هو خير لنا وما هو شر لنا. ومما يورث الإنسان السكينة أن يتخذ اللهاللطيف الرحيم ولياً ويسلم له تمام التسليم.
أمور نتفكر فيها خلال عملنا
من المهم خلال القيام بعمل ما أن لا ندع أذهاننا تفرغ، وأن نفكردائماً بالخير. فالعقل البشري قادر على القيام بأكثر من عمل في نفس الوقت. فالإنسانالذي يقود سيارته أو ينظف بيته أو يمشي في الشارع يمكنه أيضاً التفكير في أعمالالخير في نفس الوقت، فخلال تنظيف المنزل يشكر الإنسان الله الذي منّ عليه بالوسائلاليومية مثل الماء والمنظفات. ومعرفة أن الله يحب الطهارة والمتطهرين تجعله ينظرإلى الأمر الذي يقوم به كنوع من العبادة نأمل أن تنال رضا الله . بالإضافة إلى ذلكفإنه يسعد في تأمين مكان مريح لغيره من الناس عبر تنظيف المكان الذي يعيش فيه.
ومن يعمل في وظيفة ما يمكنه دائماً أن يدعو الله في سره فيسأله أنيسهل له عمله، ويفكر بأنه لا يمكن أن ينجح في أي شيء دون إرادة الله. ونرى من خلالالقرآن أن الأنبياء الذين هم قدوة لنا كانوا يتوجهون باستمرار إلى الله في سرهم. ويتفكرون في الله خلال عملهم، وواحد من هؤلاء الأنبياء الكرام وهو سيدنا موسى عليهالسلام. فبعد مساعدته لامرأتين التقاهما في سقاية قطيعهما توجه إلى الله بالكلماتالتالية:
?ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهمامرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير. فسقىلهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إليَّ من خيرفقيرٌ?[القصص:23-24].
مثال آخر نراه في القرآن عن هذا الموضوع هو مثال النبي إبراهيموالنبي إسماعيل عليهما السلام. فالله تعالى يذكر أن هذين النبيين تذكروا المؤمنينبالخير عندما كانا يعملان معاً فتوجها إلى الله تعالى بالدعاء حول عملهما.
?وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنتالسميع العليم. ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتبعلينا إنك أنت التواب الرحيم. ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلوا عليهم آياتكويعلمهم الكتب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم?[البقرة:127-129].
بماذا تجعلنا شبكة العنكبوت نتفكر؟
هناك أشياء كثيرة يمكن أن يتفكر فيها الإنسان الذي يمضي نهاره فيالمنزل. فمثلاً، خلال التنظيف قد يرى عنكبوتاً قد نسج شبكته في إحدى زوايا المنزل. ولو أدرك أن عليه التفكر في هذا المخلوق الذي لا يهم أحداً عادة، سوف يرى أن آفاقاًجديدة فتحت له. فهذه الحشرة الصغيرة التي يراها أمامه هي معجزة في التصميم. فهناكتناسق في الشبكة التي ينسجها العنكبوت، وإذا حصل وتسائل كيف يمكن لحشرة صغيرة أنتنجز مثل هذا التصميم الكامل المدهش فأجرى بحثاً سريعاً فسوف يصادف حقائق أخرىاستثنائية. فالخيوط التي يستخدمه العنكبون مرنة ثلاثين بالمائة أكثر من خيوط المطاطذات السماكة نفسها. والخيوط التي ينتجها العنكبوت تضاهي بجودتها العالية الخيوطالتي يستخدمها الإنسان في تصنيع البزات الواقية من الرصاص. فعجباً لتلك المادة التييعتبرها الناس مجرد شبكة عنكبوت بسيطة فيما هي واحدة من أفضل مواد التصنيع فيالعالم.
ولو استمر الإٌنسان في التفكر بعد أن عاين هذا التصميم المتكامللإحدى الكائنات الحية من حوله، فإنه سوف يصادف المزيد من الحقائق المدهشة. فلو تفحصالذبابة التي يلتقي بها باستمرار دون أن يعيرها إنتباهه والتي تغضبه فيحاول قتلها،سوف يرى أن لديها عادة تنظيف نفسها بشكل تفصيلي متقن. فالذبابة تحط بشكل متكرر فيأماكن مختلفة لتنظيف أطرافها الأمامية والخلفية كل على حدة، ثم تمسح بعناية الغبارعن جناحيها ورأسها عبر أطرافها الأمامية والخلفية، وتستمر بهذه العملية حتى تتأكدمن نظافتها. وكل أنواع الذباب والحشرات تنظيف نفسها بطريقة مشابهة وبنفس الانتباهوالدقة والتفصيل. وهذا يدل على أن الله المتفرد في الخلق هو الذي علمها كيف تنظفنفسها.
والذبابة نفسها تخفق بجناحيها خلال الطيران خمسمائة مرة في الثانيةتقريباً. وفي الواقع ليس هناك آلة من صنع الإنسان تستطيع أن تعمل بمثل هذه السرعةلأنها سوف تتحطم وتحترق نتيجة الاحتكاك. في حين أن عضلات الذبابة ومفاصلها وأجنحتهالا تتأذى.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار اتجاه وسرعة الريح . فإن الذبابة تستطيعالطيران في اي اتجاه دون أن تنحرف، في حين أنه حتى مع وجود التكنولوجيا الحالية،فإن الإنسان بعيد عن إنتاج اختراع يتمتع بهذه الميزات غير العادية ، وبتقنيات طيرانمثل هذه. ومن الواضح أن الذبابة لا تفعل كل ذلك بفضل قدرتها وذكائها، فالله هو الذيأعطى الذبابة هذه الخصائص والقدرات الرائعة.
وفي كل مكان نلمحه حولنا هناك حياة مرئية وأخرى غير مرئية إذ ليسهناك سنتمتر مربع على الأرض لا حياة فيه، فالبشر والنباتات والحيوانات مخلوقات يمكنللإنسان أن يراها، ولكن هناك أيضاً مخلوقات لا يمكنه رؤيتها ولكنه على درايةبوجودها، فعلى سبيل المثال، البيوت التي نعيش فيها مليئة بمخلوقات مجهرية تسمى "العث" وفي الهواء الذي نستنشقه عدد لا يحصى من الفيروسات، وكمية البكتيريا التيتعيش في تربة حديقتنا كبيرة بشكل مدهش، ومن يتفكر في كل هذا التنوع المدهش الذيتزخر به الحياة على الأرض، يتذكر النظام المتكامل لجميع المخلوقات. فكل واحد منالمخلوقات التي نراها علامة على إبداع الله، تماماً كما تكمن في المخلوقات المجهريةمعجزاته العظيمة. فلكل من الفيروسات والبكتيريا والعث غير المرئية بالنسبة لنا،آليات جسدية خاصة، فقد خلق الله لها بيئتها وجعل لها أنظمة في التغذية، وأجهزةتناسل وأنظمة مناعة، ومن يتدبر هذه الأمور يتذكر الآية التالية:
?وكأيّن من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميعالعليم?[العنكبوت:60].
بماذا يجعلنا المرض نفكر؟
الإنسان مخلوق يتميز بالكثير من نقاط الضعف، وعليه أن يبذل مجهوداًمستمراً لمعالجة نقائصه. والمرض يكشف بشكل واضح ضعف الإنسان، لذلك عندما نمرض أويمرض أحد أصدقائنا يجب علينا التفكير في الغايات الكامنة في المرض.
وعندما نتفكر نجد أنه حتى الزكام الذي يعتبر مرضاً بسيطاً يعطينادروساً وتحذيرات. فعندما نلتقط مثل هذا المرض نفكر فيما يلي: أولاً المسبب الرئيسللزكام هو فيروس دقيق جداً غير مرئي بالعين المجردة، ومع ذلك فإن هذا الكائن الصغيركافٍ لإفقاد رجل يتراوح وزنه بين 60 و 70 كيلو غراماً قوته، وجعله مرهقاً لدرجةتمنعه من المشي أو الكلام، ومعظم الأحيان لا تجدي الأدوية أو الأطعمة التي نتناولهانفعاً، وكل ما نستطيعه هو أخذ قسط من الراحة والانتظار. داخل الجسد تدور رحى حرب لايمكننا التدخل فيها، فنحن مقيدو الأيدي والأرجل من قبل كائن حي دقيق. وفي مثل هذاالوضع يجدر بنا أن نتذكر الآيات القرآنية وما فيها من الكلمات قالها نبي اللهإبراهيم عليه السلام:
?والذي هو يطعمني ويسقين. وإذا مرضت فهو يشفين. والذي يميتني ثميحيين. والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين. رب هب لي حكماً وألحقنيبالصالحين?[الشعراء:79-83].
وعلى الإنسان الذي يصاب بأي نوع من الأمراض أن يقارن بين تصرفهعندما كان في صحة جيدة وتصرفة خلال مرضه ويتفكر في الأمر. وعليه أن يتذكر حالهالمتواضع أثناء مرضه وكيف أدرك بقوة كم هو بحاجة إلى الله تعالى، وكم دعا ربهمخلصاً عندما كان متوجهاً لإجراء عملية جراحية مثلاً..
وعندما نعاين مرض أحد غيرنا علينا فوراً أن نشكر الله عندما نتذكرصحتنا الجيدة، فعندما يرى المؤمن إنساناً برجل عرجاء عليه أن يتذكر كم أن رجليهنعمتان أساسيتان ومهمتان بالنسبة له: فيفهم أن كونه قادراً على المشي إلى أي مكانيريده، حالما يستيقظ في الصباح وكونه قادراً على الركض عند الضرورة، وقدرته علىالاعتناء بنفسه دون حاجته إلى أحد، بحد ذاتها فضائل عظيمة من الله تعالى، وعندمايتفكر ويقارن، يتفهم أكثر قيمة ما منح من نِعم.
بماذا يتفكر الإنسان عندما يقابل شخصاً متعجرفا،ًمددللاً، مزعجاً، سيء الطبع؟
خلال النهار، سواء كنا في المكتب أو المدرسة، يصادف المرء أنواعاًمختلفة من الناس، وقد لا يكون كل هؤلاء الناس من ذوي الطباع الحسنة وممن يخافونالله. والمؤمن الذي يقابل مثل هؤلاء الأشخاص لا يتأثر بهم بل يظل متمسكاً بالسلوكالذي أمر الله به، فهو يعلم أن ميزة سوء الخلق عند هؤلاء الأشخاص سببها افتقارهمإلى الايمان بالله، وعدم تصديقهم بالآخرة. فيخطر على باله ما يلي: يحذر الله سبحانهوتعالى الناس من كرب الجحيم، ويسألهم أن يفكروا في العذاب الذي لا نهاية له وأنيحسنوا أخلاقهم في الحياة الدنيا ويتواضعوا لله ويلتزموا بالدين بإخلاص. ولو أدركالإنسان أنه في مواجهة تهديد خطير كهذا، فإنه بالتأكيد سوف يأخذ احتياطاته لتجنبه. ولكن أولئك الذين لا يتفكرون في الأمر ولا يستوعبون خطورته يتصرفون وكأنه لا نارولا عذاب يعدّان لهم.
ومن يكون على دراية بهذه الحقائق يتذكر اموراً أخرى مهمة جداً، فعندالانتظار على شفير نار جهنم، تتغير أخلاق كل واحد من هؤلاء الناس بشكل كامل . فإذاقبض يوم الفصل على من كان لا يتردد اليوم في إظهار أخلاق ملؤها الدلال والوقاحةٍوالتعجرف، خالية من كل إيمان بالله ثم أحضر وسيق أمام حفرة الجحيم وسحب على الأرضوتعرض لخزي مستمر، فإن تعابير وجهه وتصرفاته وطريقة كلامه والألفاظ التي يستعملهالن تكون هي نفسها التي كانت من قبل. وإذا سيق الكافر المتغطرس العنيف الذي ارتكبالجرائم ولم يعد لديه أي مظهر من مظاهر الإنسانية إلى شفير نار جهنم فإنه سوف يحسبالندم الأبدي عندما يعاين عذابها.
ومن يختلق كل أنواع الأعذار ليبرر عدم التزامه بالدين وعدم عبادتهلله في الحياة الدنيا لن يكون قادراً على اختلاق نفس الأعذار عندما ينتظر على مشارفجهنم. في ذلك الوقت لن تكون التوبة ممكنة حتى لو أراد الكافر أن يفي بها ولن تكونالدعوات مستجابة رغم أن الكافر يجدّ حينها في الدعاء.
إن من يخاف الله لا ينسى هذه الأمور البتة فيتفكر في نار جهنم وبفضلتفكره يدرك ما هي التصرفات الحقيقية وما هي الكلمات الصحيحة وما هي الأخلاقالحميدة. وبما أن عنده إيمان قوي بوجود جهنم فإنه يتفكر فيها باستمرار، ويتصرفدائماً وكأنه قريب من نارها، ولا يني يتفكر بأنه سوف يدعى للمحاسبة عن كل ما قامبه.
والله يدعو الناس للتفكر في النار وفي يوم الفصل.
?يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أنبينها وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد?[آل عمران:30].
خلال تناول الطعام
?الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناءً وصوّركم فأحسن صوركمورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين?[غافر:64].
لقد وهب الله الناس في هذه الحياة ألواناً من الطعام والشرابمختلفة، صافية، لذيذة،... وكل هذه الأطعمة والأشربة مظاهر لفضل الله الذي لا ينتهيورحمته بالعباد، فالناس يستطيعون أن يعيشوا بخير على لون واحد من الطعام والشرابولكن الله تعالى وهبهم نعماً لا تحصى من الخضار والفاكهة، وأنواع مختلفة من اللحوموغيرها..
والمؤمن الذي يعرف أن كل هذه النعم من الله تعالى يتفكر فيها ويشكرالله في كل مرة يجلس فيها لتناول وجبة طعام.
بماذا تجعلنا الفاكهة التي تقدم خلال وجبة الطعامنتفكر؟
في آيات كثيرة من القرآن، يذكر الله تعلى أنه أنعم على الناس بأنواعكثيرة من الطعام وهذه الأطعمة تكون موجودة أمام أي شخص يجلس لتناول وجبة. فطاولةالطعام تمتلئ بمختلف أنواع الخضروات المزروعة، والعديد من المنتجات الحيوانية،والإنسان بطبيعته مفطولر على حب التمتع بهذه الأطعمة، فكل واحد منها ألذ من الآخر،وهي في نفس الوقت ضرورية للبقاء على قيد الحياة، فلتتفكر فيما لو أن هذه الأطعمةالمغذية والضرورية للبقاء على قيد الحياة كانت بدون نكهة أو كان طعمها رديئاً. أولو كانت مضرة بالرغم من طعمها الطيب، أو لو كان هناك عدد قليل من الأطعمة نتغذى بهافقط من أجل البقاء على قيد الحياة.. ان رحمة الله هي السبب الوحيد الذي امام أطعمةبهذا الشكل الذي نشاهده على المائدة وليس امام طعام وشراب غير ذي نكهة.
حتى لو فكر الإنسان بالفاكهة وحدها سوف يدرك النعم العظيمة التيتظهر لنا. والإنسان الحي الضمير الذي يرى أنواعاً كثيرة من الفاكهة على طاولةالطعام سيفكر فيما يلي:
" بأنه من قلب تراب داكن تنبت فاكهة بألون متعددة وشذى متنوع،ومحتويات نظيفة تماماً وكل واحد منها له طعم طيب. وهذا فضل عظيم منحه اللهللناس.
" وبأن الموز والتنغرين والبرتقال والبطيخ بنوعيه الأصفر والأحمر،وغيرها من الفواكه كلها مخلوقة في أغلفتها الخاصة بها، فقشرتها تحميها من التلفوالفناء. وتحفظ لها شذاها، فبعد فترة قصيرة من تقشيرها تتحول الفاكهة إلى اللونالأسود وتفسد.
" عند تفحصها واحدة واحدة يظهر أن كل نوع من أنواع الفاكهة له ميزةدقيقة. فالبرتقال والتنغرين مثلاً مقطعة. لأنها لو كانت قطعة واحدة لكان من الصعبتناول مثل هذه الفاكهة الكثيرة العصارة. لكن الله تعالى قد شكلها على هيئة شرائح منأجل راحة الناس. ومما لا جدال فيه أن هذا التصميم الرائع الخالي من النقائص الذييلبي حاجاتنا آية من خلق الله العليم سبحانه وتعالى.
" والفراولة على سبيل المثال، فاكهة مميزة جداً بطعمها وشكلها. فبالأشكال التي عليها تبدو وكأنها صممت تصميماً فائق الدقة، وبلونها الأحمر المنعشالمتوّج بأوراق خضراء تشكل الفراولة واحدة من أسمى آيات الإبداع الرباني.. وحلاوةشذاها وطعمها ولكونها خالية من البذور الكبيرة ولا قشرة لها مما يسهل أكلها، فإنهاتذكرالإنسان بفاكهة الجنة وفي كونها تنبت بمعظم أجزائها في التراب ثم يكون لها هذااللون الجميل الملفت، دلالة عظيمة من الله تعالى الذي خلقها فأظهر إبداعه وحكمتهوعلمه فيما خلق.
" ووجود أنواع مختلفة من الفاكهة في كل موسم موضوع آخر حري أن نتفكرفيه ففضل ونعمة من الله للناس أنه في فصل الشتاء الذي يكون الناس فيه بأمس الحاجةإلى فيتامين ج توجد فاكهة الغنية بهذا الفيتامين مثل التنغرين والبرتقالوالغريب_فروت فيما تتوفر في الصيف أنواع الفواكه التي تطفئ العطش مثل البطيخ بنوعيهالأحمر والأصفر، والدراق والكرز.
وقد أهدانا الله سبحانه وتعالى تلك الصورة الخلابة للفاكهة علىأغصانها أو حيثما زرعت. فمنظر المئات من حبات الفاكهة على غصن جاف أشبه بالعظمة وهيمربوطة اليه بإحكام ومملوءة بالعصارة من داخلها، وما يظهر منها وكأنه جرى تلميعهبشكل خاص دليل آخر أن كل واحد من أنواعها قد خلقها الله . فعلى سبيل المثال عناقيدالعنب تبدو وكأنها قد وضعت على أغصان الدوالي واحدة واحدة. والله تعالى قد خلق كلواحدة منها بشكل فريد وشكّل لها مظهراً على الأغصان يجعلها تروق للناس. ولهذا السببخلال وصف الجنة في القرآن يذكر الله أن الفاكهة فيها تكون جاهزة للقطاف، وذلك فيقوله تعالى: ?ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا?[الإنسان:14].
وبالطبع ما ذكر هنا هو غيض من فيض، فنعم الله أكثر من أن تحصى، ومنيدرك ذلك على مائدة الطعام يتذكر آية كريمة أخرى:?أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلاتذكرون. وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم?[النحل:17-18].
بماذا تجعلنا الروائح والنكهات نتفكر؟
وإذا استمرّينا في التفكر، نصل الى إدراك المحاسن والدقائق في خلقالله أكثر. وخلال التأمل ملياً في هذه الأمور فإن الانسان الحي الضمير يعي أيضاً أنكونه قادراً على على استمداد المتعة مما أنعمه الله عليه فضل كبير من الله سبحانهوتعالى، ويتذكر أن حاستي الشم والتذوق تساعداننا على الإحاطة بالكثير من الجمالالكائن في هذه الدنيا. فيستمر الانسان بالتفكير:لو لم يكن لدينا حاسة الشم لمااستطعنا أن نستمتع بالورود والفواكه والمشاوي كما نستمتع الآن. ولو لم يكن لديناحاسة التذوق لما تعرّفنا على الطعم الفريد للشوكولا والحلوى واللحوم والفراولةوغيرها من النعم.
يجب ألا يغيب عن بالنا أنه لو لم يتفضل الله سبحانه وتعالى علينا بكلهذه النعم لكنّا الآن نعيش في عالم ليس فيه لون أو طعم أو رائحة. ولولا فضله سبحانهوتعالى علينا لما استطعنا اكتساب أي من هذه النعم بأي حال من الأحوال. ولكن اللهتعالى قد أنعم على الناس فخلق النكهات والروائح، تماماً كما خلق لنا الجهاز العصبيكي نحيط بها.


خلال التنزه في الحديقة..
بماذا تجعلنا مظاهر الجمال التي نراها في الطبيعةنتفكر؟
إن من يؤمن بالله يسبّحه على ما يراه من جمال في الطبيعة، فهو علىعلم ودراية بأن الله هو خالق كل ما يوجد من جمال، وأن كل هذه المحاسن هي ملك لله،وتجلّيات لما يختص به سبحانه وتعالى من جمال.
خلال التنزه في الطبيعة، يصادف الإنسان المزيد من الجمال، فمن القشةإلى الأقحوان الأصفر، ومن الطيور إلى النمل.. كل شيء مفعم بالتفاصيل التي تحتاج إلىالتفكير فيها. وحينما يتفكر الناس فيها يصلون إلى فهم قوة وقدرة الله.
فالفراشات مثلاً ذات جمال بديع جداً، فبأجنحتها المتساوقة وتصاميمهاالمزركشة بتماثل تام وكأنها مرسومة باليد وألوانها الفسفورية، تشكل الفراشاتدليلاً على إبداع الله وقدرته العظيمة على الخلق.
وبشكل مماثل فإن النباتات التي لا تعد ولا تحصى، وأنواع الأشجار علىالأرض هي من المحاسن التي خلقها الله، وقد خلق الله الأزهار بألوانها والأشجاربأشكالها المختلفة كي تضفي على حياة الإنسان بهجة كبيرة.
والمؤمن يتفكر كيف أن الورود والأزهار، مثل البنفسج والأقحوانوالزنبق والقرنفل والأوركيد ناعمة الملمس تنبت من بذورها ملساء تماماً دون تجاعيدوكأنها مكوية!
ومن العجائب الأخرى التي خلقها الله تعالى شذى هذه الأزهار، فالوردةمثلاً لها عبير قوي دائم التجدد، ورغم أحدث التطورات التكنولوجية لم يستطع العلماءأن يصنعوا رائحة تضاهي تماماً عبير الورود، فالأبحاث المخبرية التي تحاول تقليد هذاالعبير لم تثمر عن نتائج مرضية .
فبشكل عام فالعطور التي صنعت أساساً برائحة الورود حادة ومزعجة فيحين أن رائحة الوردة الأصلية لا تزعج!
ومن يؤمن بالله يعلم أن كلاً من هذه النباتات خلق له ليُسَبِّحالله، وليبرز له إبداع الله وعلمه في ما خلقه سبحانه وتعالى منج مال ، ولذلك فإن منيرى هذا الجمال حينما يتنزه في الحديقة يمجد الله فيقول ?ما شاء الله ولا قوة إلابالله?[الكهف:39]. ويتذكر أن الله قد سخر هذا الجمال لخدمة الإنسان وأنه سوف يمنحالمؤمنين نعماً ممتازة لا تقارن في الآخرة فيزداد حبه لله تعالى.
هل تفكرت يوماً في نملة رأيتها خلال تنزهك فيالحديقة؟
الناس بشكل عام لا يدركون أي معنى للتفكير في الكائنات الحية التييرونها في محيطهم. ولا يتخيّلون ان هذه الكائنات الحية التي يصادفونها كل يوم لهاميزات مثيرة للاهتمام. أما بالنسبة للمؤمن فإن كل كائن حي خلقه الله يحمل آثارالكمال في خلقه، والنمل بعض هذه المخلوقات.
فالمؤمن الذي لا يعمي عينه عن النمل الذي يراه حين يتنزه في الحديقةيشهد الكمال في خلق الله من خلال رؤيته لميزاتها المدهشة.
فحتى مشاهدة تحركات النملة تستحث العقل فهي تحرك أرجلها المتناهيةالدقة بأسلوب متتال منتظم إلى أبعد حد، فهي تعرف تمام المعرفة أي رجل يجب أن تقومبالخطوة الأولى وأيها تقوم بالخطوة التالية، وتتحرك بسرعة دون ترنّح.
وهذه الحشرة الصغيرة ترفع فتاتاً أكبر بكثير من جسمها، وتحمله إلىوكرها بقلبها وروحها، وتسافر مسافات طويلة بالمقارنة مع جسمها الضئيل.
وبكل سهولة تستطيع أن تجد وكرها في الأرض التي لا معالم تميزها دونأن يكون هناك مرشد في خدمتها. ورغم أن مدخل الوكر صغير لدرجة لا نستطيع معها نحنأنفسنا أن نجده، لا تختلط عليها الأمورفتجده أينما كان.
عندما يرى الإنسان هذه النملات في الحديقة وهي مصطفة في خط الواحدةتلو الأخرى، تكدح بحماس لتحمل الطعام إلى وكرها لا يمكنه التوقف عن التساؤل عنطبيعة هذا التصميم على العمل بكد الذي تملكه هذه الحشرات الصغيرة جداً،.
ثم يدرك الإنسان أن النملة لا تحمل الطعام لنفسها فقط ولكن أيضاًلأعضاء أخر في المستعمرة، للملكة، ولصغار النمل.
وما يحتاج الإنسان أن يتفكر به هو كيف يمكن لهذه الحشرة الصغيرةجداً التي لا تمتلك دماغاً متطوراً أن تعرف الاجتهاد والنظام والتضحية بالنفس. وبعدالتأمل ملياً بهذه الحقائق يصل الإنسان إلى الخلاصة التالية: النمل مثله مثل باقيالكائنات الحية تعمل بإلهام من الله، ولا تأتمر الا بأمره سبحانه وتعالى.
بماذا تجعلنا التحركات "المدركة" لنبتة اللبلابنتفكر؟
والمؤمن عندما يتنزه في الحديقة، يتفكر أيضاً بنتة اللبلاب (نبتةمتعرشة) التي يصادفها، وهي من أجمل ما خلق الله تعالى. فبالنسبة لمن يتفكر هناكدائماً آيات يتعلمها من كل شيء حي.
فعلى سبيل المثال، في لف نبتة اللبلاب نفسها حول غصن ما أو أي شيء،أمر يحتاج الإنسان للتفكر فيه بدقة. ولو أن مراحل نمو هذه النبتة صوّرت، ثم أعيدعرض الشريط بسرعة لرأينا أن هذه النبتة تتحرك كما لو أنها كائن مدرك. فكأنها ترى أنهناك غصناً أمامها فتمد نفسها باتجاهه وتوثقه إليه وكأنها تحكم الخناق حوله. وأحياناً تلتف حول الغصن عدة مرات لتثبت نفسها، ثم تنمو بسرعة بهذه الطريقة، وتنشيءلنفسها طريقاً جديداً أما بالعودة أو التقدم إلى الأسفل عندما يصل ممرها إلىنهايته.
والمؤمن الذي يشهد كل هذه الأمور يدرك مرة أخرى أن الله سبحانهوتعالى خلق كل الكائنات الحية بأنظمة فريدة خالية من الخلل.
وفيما يستمر المرء بمراقبة تحركات نبتة اللبلاب فإنه يشهد معلماًآخر مهماً من معالم هذه النبتة، حيث يرى أن هذه النبتة تلصق نفسها بإحكام بالسطحالذي تتموقع عليه عبر تمديد أذرع إلى جوانبه، كما تفرز هذه النبتة "غير المدركة" مادة دبقة قوية لدرجة قد تنزع الدهان عن الحائط إذا حاول الإنسان إزالتها.
وجود مثل هذه النبتة يظهر للمؤمن الذي يتفكر في هذه الأمور القدرةالكلية لله خالقها.
بماذا تجعلنا الأشجار نتفكر؟
نشاهد الأشجار في كل يوم وكل مكان، ولكن مع ذلك هل تفكرتم يوماً كيفيصل الماء إلى أبعد ورقة في أعلى غصن في الشجرة الباسقة؟
يمكننا أن نمتلك فهماً أفضل للطبيعة غير العادية لهذا الأمر عن طريقالمقارنة. فمن المستحيل أن يرتفع الماء من الخزان الكائن في قبو المبنى الذي نسكنفيه، إلى الطوابق الأعلى دون محرك دفع مائي، أو غيره من المحركات القوية. إذ لايمكن حتى ضخ المياه إلى الطابق الأول ، وهذا يعني أنه يجب أن يكون هناك نظام ضخ فيالأشجار شبيه بمحرك الدفع المائي، وإلا إذا لم يستطيع الماء الوصول إلى جذع الشجرةوأغصانها فإن الشجرة تموت سريعاً. لقد خلق الله كل شجرة مزودة بكل المعداتالضرورية، وعلاوة على ذلك فإن نظام الدفع المائي في الكثير من الأشجار أرفع من أنيقارن بذلك الموجود في المباني التي نعيش فيها؛ وما ذكرناه واحد من الموضوعات التييتفكر فيها من ينظر إلى كل الأشياء بعين البصيرة، عندما يشاهد النباتات.
وهناك موضوع آخر له علاقة بأوراق الأشجار. فمن يتفكر في الأشياءالتي يشاهدها، لا يعتبر، حين ينظر إلى الأشجار، أوراقها أشكالاً عادية ألفمشاهدتها. فهو يتفكر في أمورمختلفة لا تخطر لمعظم الناس، فمثلاً، مع أن أوراقالأشجار رقيقة جداً، فإنها لا تجف بفعل الحر الشديد، ولو أن إنساناً بقي في الخارجولو لوقت قصير في حرارة تبلغ أربعين درجة مئوية، فإن لو جلده يتغير، ويعاني منالجفاف، في حين تستطيع أوراق الأشجار أن تبقى خضراء لأيام وحتى شهور في الحر الشديددون أن تحترق، على الرغم من ضآلة كميات المياه التي تجري في أوعيتها الشبيهةبالخيوط؛ وهذه معجزة في الخلق تبين أن الله خلق كل شيء بعلم منقطع النظير. وبالتفكرفي معجزة الخلق هذه يرى المؤمن عظمة الله ويذكره سبحانه وتعالى.
خلال قراءة الجريدة أو مشاهدة التلفاز..
يتابع الناس الأخبار في الجريدة اليومية وعبر التلفاز أما خلالالنهار أو حين يعودون إلى بيتهم في المساء. وفي هذه التقارير الكثير من القضاياالتي يمكن أن يتفكر فيها الإنسان الحي الضمير ويأخذ حذره منها ويرى فيها آياتالله.
بماذا يجعلنا تكرر قضايا العنف والسرقة والجريمةنتفكر؟
في كل يوم على الصفحات المحلية للأخبار في الجرائد والنشراتالأخبارية، تطالعنا تقارير عديدة عن القتل والجرح، واللصوصية والسرقات والسلبوالانتحار. وتكرر وقوع هذه الأحداث والعدد الكبير للأشخاص الميالين جداً إلى ارتكابمثل هذه الجرائم يشير إلى الضرر الذي يعاني منه الناس الذين لا يؤمنون بالله. فخطفشخص ما لطفل صغير من أجل الفدية مسبباً له خوفاً عظيماً، أو حتى قتله، وتصويب شخصأخر مسدساً في وجه رجل وقتله، دون تردد، وقبول ثالث الرشوة، أو القيام بسلب الأموالأو الانتحار.. كلها تشير إلى أن هؤلاء الأشخاص لا يخافون الله ولا يؤمنون بالآخرة. فمن يخاف الله ويعرف أنه سيحاسب في الآخرة لا يفعل هذه الأمور أبداً. كل هذهالأفعال عقوبتها في الآخرة نار جهنم إذا لم يتب عنها مرتبكها وإذا لم يسامحه اللهويرحمه.
وقد يقول أحدهم:"أنا ملحد لا أؤمن بالله ومع ذلك فأنا لا أقبلالرشوة". ولكن هذا التعبير من إنسان لا يؤمن بالله غير مقنع أبداً. فمن المحتملجداً أن يخل هذا الشخص بوعده إذا تبدلت الظروف، فعلى سبيل المثال إذا اضطر هذاالإنسان إلى إيجاد المال لسبب طارئ، وصودف أن كان في وضع فيه فرصة للسرقة أو قبولالرشوة، فمن غير المتوقع أن يكون عند كلمته عندما تكون حياته على المحك. ومع أن هذاالشخص قد يتجنب قبض الرشوة في الظروف الصعبة، فإنه قد يميل إلى ارتكاب غيرها منالمحظورات، أما المؤمن فلا يقوم بأي عمل لا يستطيع أن يتحمل عاقبته في الآخرة.
إذاً، فإن سبب هذه الأحداث التي تجعلنا من المعترضين بأصواتنا فيالجرائد والتلفزيونات وفي حياتنا الاجتماعية، وتدفعنا إلى أن نصرخ بقوة: "ماذا حصللهذا المجتمع" هو في الحقيقة، قلة التدين. والمؤمن الذي يرى هذه التقارير لا يعميعينيه عنها بل يفكر بأن الحل الوحيد بالتحدث بدعوة الناس الى الدين، وإحياء قيمه.. ففي المجتمع الذي يتكون من أناس يخافون الله ويعلمون أنهم سيحاسبون في الآخرة منالمستحيل لهذه الأحداث أن تقع بهذه الدرجة التي تقع فيها في أوقاتنا هذه. ففي مثلهذا المجتمع سوف يعيش الناس في أعلى درجات الأمن والسلام.
بماذا تجعلنا برامج النقاش التي تستمر حتى الصباحنتفكر؟
تشكل برامج النقاش التي تذاع على التلفاز مادة أخرى للتفكر فيها لمنيتابع التفكر في الأمور من حوله.
وبرامج النقاش هذه تستضيف الأشخاص الأكثر إلماماً بموضوع الساعةوالأكثر علماً به. فيناقش هؤلاء موضوعاً ما لساعات من غير أن يكون أحد منهم قادراًعلى إيجاد حل أو الوصول إلى استنتاج ما، مع أن هؤلاء الذين يشاركون في هذه البرامجيعتبرون مؤهلين لحل هذه القضايا.
وبالفعل، فإن حلول معظم هذه القضايا واضح بما فيه الكفاية ومع ذلكفإن مصالح الناس الشخصية، وبقاؤهم تحت تأثير نفوذهم الحالي وسعيهم لإظهار انفسهمبدل البحث بإخلاص عن الحلول يوصلهم إلى مأزق وطريق مسدود.
والإنسان الحي الضمير الذي يشهد كل هذايجزم بأن سبب هذه الأحداثيكمن في بعد المجتمع عن دين الله، فمن يؤمن بالله لا يظهر منه أي تصرف أخرق، لامسؤول أو فارغ. فهو يعلم أن هناك خيراً في كل حادث يعرّضه الله له، وأنه في امتحاندائم في هذه الحياة، وعليه أن يستخدم رشده وعلمه وقوته بطريقة ترضي الله.
بالإضافة إلى ذلك، عندما يشاهد المؤمن هذه البرامج يتذكر قولهتعالى: ?...وكان الإنسان أكثر شيءٍ جدلا?[الكهف:54].
ان وجود مثل هذه البرنامج يكشف عن طبيعة الناس المولعة بالجدلوالخصام. وهذا ما يؤدي بهم في معظم الأوقات إلى الفشل في فهم المطلوب، فهوسهم بماسيقولون، ومحاولتهم قوله أولاً، ومقاطعتهم بعضهم بعضاً ورفعهم أصواتهم بسهولةوانفعالهم الشديد بلمحة، ومباشرتهم بكيل الشتائم لبعضهم، تكشف بوضوح الجوانبالسلبية لذوي الثقافات الرفيعة ظاهرياً الذين ينقصهم الإيمان بالله.
بمشاركة أشخاص مخلصين وصادقين مائة بالمائة، ممن يخافون الله لايمكن لهذه المناقشات المطولة وغير المثمرة أن تحدث،ف بما أن الهدف هو إيجاد الحلولالأكثر إرضاءً لله ومنفعة للناس، فإن أفضل أساليب التفكير وأكثرها ضميرية،توضعوتطبق دون تضييع الوقت، وبما أن ضمير الكل سوف يرتاح بالوصول إلى النتيجة النهائيةفإن الخصام والجدل لن يقعا.
وإذا كان هناك لأي واحد اعتراض مبني على أسباب معقولة تظهر طريقةأفضل في الحل فإن اقتراحه يطبق مباشرة، وخلافاً لغيرهم، فإن من يؤمنون بالله لايظهرون تصرفات عنيدة ومتعجرفة؟ وعندما يتذكرون قوله تعالى ?... وفوق كل ذي علمعليم?[يوسف:76]، يطبقون أفضل الخيارات التي يقدرون عليها.
هذه النقاشات التي تستمر حتى الصباح دون الوصول إلى أي حل تستحق أنتؤخذ بعين الاعتبار لأنها تظهر ما يمكن أن يحدث في البيئات التي لا تعيش قيم وأخلاقالدين الرفيعة.
بماذا يجعلنا الفقر والمجاعة في كل زاوية من زواياالعالم نتفكر؟
عدم العدل بين الناس من القضايا التي تتداول باستمرار في وسائلالإعلام، ففيما هنالك في أحد جوانب العالم بلدان مزدهرة بشكل ملحوظ تتمتع بدرجاتعالية من الرفاهية، هناك في الجانب المقابل أناس لا يجدون ما يأكلونه وليس لديهمدواء لعلاج حتى أبسط الأمراض و يتكرر وقوع الموت في صفوفهم بسبب الإهمال. أول مايكشفه هذا الوضع هو النظام الجائر السائد في العالم. من السهل جداً على البلدانالغنية إنقاذ هؤلاء الناس، فعلى سبيل المثال، قرب الأمم التي تموت من الجوع فيأفريقيا هناك مجتمعات كدست الثروات من مناجم الماس، وبالتالي أنشأت "مدنية" متقدمة. ورغم أنه من السهل جداً إعادة إسكان هؤلاء الأشخاص الذين يعيشون في الفقر قريبين منالمجاعة متروكين عرضة للموت ، أو تأمين الموارد التي تتوافق مع احتياجاتهم، فيالمناطق التي يعيشون فيه،ا فإنه لعقود من الزمن لم يتم البحث عن حلول أساسيةلمشكلتهم؛ ومع أن مساعدتهم ليست مهمة يستطيع عدد قليل من الناس القيام بها، إلا أنهمن أجل إيجاد حل نحتاج الى الكثير من التضحية بالنفس، وذلك فإن عدد الأشخاص الذينيمكن الادعاء بأنهم ينكبون على محاولة حل مثل هذه المشكلة قليل جداً.
تريليونات من الدولارات تبدد في كل جزء من العالم لأسباب مختلفة،حتى ان بعض الناس يرمون طعامهم لأن كمية الملح التي فيه لم تعجبهم، فيما يموت غيرهملأنه غير قادر على إيجاد كمية كافية من الطعام ليأكلها وفي هذا دليل واضح ضد نظامعالمي جائر سببه عدم تطبيق قيم الدين على الأرض.
ومن يرى كل هذا يجزم بأن الشيء الوحيد الذي يزيل هذا الجور هوالالتزام بأوامر الله، فالناس الذين يخافون الله ويتصرفون بما تمليه عليهم ضمائرهملا يمكن أن يسمحوا بمثل هذا الظلم والجور. وسوف يساعدون المعوزين بحلول محدودةوسريعة وطويلة الأمد، دون أن يسمحوا بأي نوع من أنواع التفاخر، وإذا اقتضت الضرورةيستثمرون جميع الإمكانيات الموجودة في العالم.
ويخبرنا الله في القرآن الكريم أن مساعدة الفقراء والمعوزين هي منصفات الأشخاص الذين يخافون الله واليوم الآخر ?ويطعمون الطعام على حبه مسكيناًويتيماً وأسيراً. إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا. إنا نخاف منربنا يوماً عبوساً قمطريرا?[الإنسان:8-10]. وعدم إطعام الفقراء من صفات الأشخاصالكافرين الذين لا يخافون الله ?خذوه فغلّوه. ثم الجحيم صلّوه. ثم في سلسلة ذرعهاسبعون ذراعاً فاسلكوه. إنه كان لا يؤمن بالله العظيم. ولا يحض على طعام المسكين. فليس له اليوم هاهنا حميم. ولا طعام إلا من غسلين. لا يأكله إلاالخاطئون?[الحاقة:30-37].
بماذا تجعلنا الكوارث التي تحدث حول العالمنتفكر؟
بعض التقارير التي يصادفها الناس باستمرار في الجرائد والتلفزيوناتتتعلق بالكوارث، فالناس قد يتعرضون للكوارث في أي وقت. فقد تحدث هزة أرضية قوية،وقد يشب حريق وقد يحدث فيضان، ومن يرى هذه التقارير يتذكر أن الله قادر على كل شيءفباستطاعته أن يسوي مدينة ما بالأرض إذا أراد، وبالتفكر في هذا الأمر يدرك الإنسانأنه لا ملجأ من الله إلا إليه، ولا مغيث إلا هو، فحتى أقوى المباني والمدن المجهزةبأحدث وسائل التكنلوجيا لا تستطيع أن تقف في وجه قوة الله فهي الأخرى قد تفنى فيلحظات.
وكل هذه المشاهد هي من أجل أن يتفكر فيها الإنسان ويعتبر، ومن يسمعتقارير الكوارث يفكر أيضاً بأن الله قد أنزل الكارثة على مدينة ما لسبب معين. ففيالقرآن الكريم يذكر الله تبارك وتعالى أنه ينزل العقاب بالأمم العاصية تنبيهاً لهمأو جزاءً على أفعالهم، ومن ثم فإن سبب حدوث الكوارث إما أن يكون تطبيق مجتمع مالقيم تغضب الله، فيعاقبهم على ذلك أو امتحاناً للناس ببعض الشدة في هذه الدنيا.
وبالتفكر في هذه الإمكانيات يخاف المؤمن أن تقع به هذه الكوارثفيستغفر الله سبحانه وتعالى على أعماله.
لا يمكن لأي شخص أو أمة أن تتفادى وقوع أي كارثة إلا إذا أراد الله. ولا فرق في ذلك بين أغنى وأقوى المدن وأي مكان آخر عادي يعتبر قليل المخاطر بسببموقعه الجغرافي، فالله تعالى يقول انه ليس هناك أمة تستطيع تفادي الكارثة عندما تحلبها.
?أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون. أ وأمن أهلالقرى أن يأتيهم بأسنا ضحىً وهم يلعبون. أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلاالقوم الخاسرون. أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهمبذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون? [الأعراف:97-100]
بماذا تجعلنا مستجدات موضوع الربا نتفكّر؟
موضوع آخر يتداول به باستمرار في الأنباء هو التراجع الاقتصادي؛وتحديداً هناك عدد من المواد الاخبارية السلبية تنشر عن الربا يومياً. ومن يقرأ هذهالتقارير التي تذكر أن الربا أصبح خارجاً عن السيطرة وسبباً للنكماش الاقتصادي يدركأن الله يضعف أرباح الناس جزاء على تبني مثل هذا الصنيع المحرّم والبغيض_اي الربا. وكما تذكر الآية الكريمة:? يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كلّ خوّانأثيم? ] البقرة:276[ فإن الله سبحانه وتعالى يزيل الأرباح المحققة عن طريق الرباويقلل الانتاجية. هذه الحقائق مذكورة أيضاً في آية أخرى على الشكل التالي:? وماآتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجهالله فأولئك هم المضعفون?] الروم:39[.
ومن يتفكر في هذه التقارير يرى فيها هي أيضاً مثالاً على ما تبينهآيات القرآن الكريم للناس.
التفكر في الأماكن الجميلة
ومن الممكن أيضاً أن نرى في البرامج التلفزيونية وفي المجلات والصحفالجمال الذي خلقه الله ونتفكّر فيه. فمشاهدة أو زيارة مكان ذي منظر خلاب مثل بيتجميل أو حديقة أو شاطىء بحري يمتع الجميع بالتأكيد. فقبل كل شيء هذه المشاهد تذكرنابالجنة، ومن خلال مشاهدتها يتذكر المؤمن مرة أخرى أن الله الذي ينعم علينا بهذهالنعم ويرينا هذا الجمال الباهر سوف يخلق في أماكن لا تضاهى جمالاً في الجنة.
ومن يرى هذه المشاهد يتفكّر بالتالي أيضاً: كل جمال خلق في هذهالحياة الدنيا فيه العديد من النقائص والعيوب لأن الحياة الدنيا دار اختبار. ومنيمضي بعض الوقت في أحد المنتجعات التي كان قد شاهدها قبل ذلك في التلفاز يلاحظ هذهالعيوب. فشدة رطوبة الطقس وملوحة مياه البحر المزعجة والحر المحرق والبعوض أمثلةعلى ذلك. بالإضافة الى ذلك فإن الكثير من الصعوبات الدنيوية قد تحدث مثل حروقالشمس، مشاكل وكالة السفر التنظيمية، والطبيعة العصبية للأشخاص الذين يشاركهمالمكان.
أما في الجنة فإن منابع كل هذا الجمال ستكون هناك. ولن يكون هناك أيشيء مزعج، ولن ينعقد أي حديث غير مرضٍ. ففي كل جمال يقابله المؤمن في هذه الحياةالدنيا يزداد توقه الى الجنة، ويشكر الله دائماً على نعمه التي أنعمها عليه في هذهالحياة، ويستمتع بالتفكير بأن منابع هذه الأمور الجميلة توجد في الجنة، ولا ينسىهذا أبداً بالانجراف بمفاتن الحياة الدنيا، فيعيش حياته بالطرق التي تنتهي به الىامتلاك الجمال الأبدي، وتجعله أهلاً لدخول الجنة.
بماذا نتفكّر عندما نقرأ في المجلات العلمية أن حجربناء المادة هو الذرة؟
ما لم يتفكر الانسان بالأشياء التي يعرفها، فإنه لن يستطيع أن يدركدقائقها، ولا أن يفهم ماهية هذا المحيط الاستثنائي الذي يعيش فيه.
ولهذا الاعتبار فإن المؤمن يتفكر باستمرار في الأحداث والكائناتالحية التي خلقها الله، ومع أن هذه الأمور قد تكون معروفة لدى الكثير من الناس، إلاأن المؤمن من خلال تفكّره فيها يكون قادراً على استخلاص نتائج مختلفة عما يصل اليهالآخرون.
فعلى سبيل المثال من المعروف حيداً أن المكوّن الأساس لكل ما فيالكون من كائنات حية وجماد هو الذرّة. فكل الناس يعلمون أن الكتاب الذي يقرأون فيهوالكنبة التي يجلسون عليها والماء الذي يشسربونه وكل الأشياء التي يرونها حولهممكوّنة من ذرّات. ولكن فقط ذوي الضمائر الحيّة يفكرون أبعد من ذلك ويشهدون على قوةالله العظيمة.
فعندما يرى مثل هؤلاء الأشخاص تقارير حول هذا الموضوع يفكرونبالتالي: الذرات مخلوقات جامدة فكيف يمكن لمادة جامدة أن تتجمع لتكوّن إنساناًمتحركاً قادراً على الرؤية والسمع وتفسير ما يسمعه والاستمتاع بالموسيقى التييسمعها والتفكير واتخاذ القرارات، والحزن والفرح؟ وكيف يقدر الانسان على اكتساب مثلهذه السمات التي تميّزه عن غيره مما يتكوّن من الذرات؟
بالتأكيد ان الذرات الجامدة غير المدركة لا يمكن أن تعطي الانسانهذه الخصائص. فمن الواضح أن الله هو الذي خلق الانسان بروح قد وهبت كل هذه الخصائص،وهذا يذكّرنا بقوله تعالى:? الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الانسان من طين. ثم جعلنسله من سلالة من ماء مهين. ثم سوّاه فنفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصاروالأفئدة قليلاً ما تشكرون?]السجدة:7-9[
بعض الحقائق التي يصل إليها الإنسان عبر التفكرالعميق
هل تفكرت يوماً في كون كل شيء مسخّر للإنسان وحده؟
عندما يبحث المؤمن في كل ما في الكون من أنظمة وكل ما فيه من كائناتحيّة وجماد بعينٍ يقظة، يرى أنها كلها مسخّرة للإنسان، ويفهم أنه ليس في الوجود شيءجاء بمحض الصدفة، بل خلق الله كل شيء بإتقان لخدمة الإنسان.
فمثلاً يتنفس الإنسان كل الوقت دون بذل جهد، فالهواء الذي يستنشقهلا يحرق مجرى تنفسه ولا يصيبه الدوار ولا يسبب له أوجاعاً في الرأس، فنسب الغازاتفي الهواء ملائمة لجسم الإنسان. ومن يتفكر في هذه الأمور يتذكر نقطة أخرى هامةجداً، فلو كان تركز الأوكسيجين في الهواء أكثر قليلاً أو أقل قليلاً فما هو عليهلاختفت الحياة في الحالتين. فيتذكر عندها الأوقات العصيبة التي قضاها في الأماكنالخالية من الهواء الطلق. وفيما يتابع المؤمن التفكر في هذا الموضوع فإنه يشكر اللهباستمرار لأنه يدرك بأن الغلاف الجوي للأرض كان يمكن ان يتألف مما تألفت بهالغلافات الجوية لباقي الكواكب، ولكن الأمر ليس كذلك فالغلاف الجوي للأرض مخلوقبتوازن كامل وبترتيب يسمح للبلايين من الناس التنفس دون جهد.
ومن يستمر في التفكر في الكوكب الذي يعيش فيه، يفكر كم أن الماءالذي خلقه الله مهم لحياة الإنسان فيرد على ذهنه كون الناس بشكل عام يفهمون أهميةالماء فقط عندما يحرمون منه لفترة طويلة. فالماء مادة نحتاجها في كل لحظة منحياتنا. فعلى سبيل المثال، هناك كمية معتبرة من خلايا جسمنا ومن الدم الذي يصل إلىجميع أنحاء الجسم مكونة من الماء. ولو لم تكن كذلك فإن سيلان الدم سوف يقل ويصبحجريانه في العروق صعباً جداً. وسيلان الماء مهم ليس لأجسامنا فقط ولكن للنباتاتأيضاً، حيث ان الماء يصل إلى أبعد أطراف اوراق الاشجار عبر المرور بأوعيتها الشبيهةبالخيوط.
كما ان كمية المياه الكبيرة في البحار هي التي تجعل أرضنا مأهولة. فلو أن نسبة البحار إلى اليابسة في الأرض كانت أصغر لتحولت اليابسة الى صحارىولاستحالت الحياة.
والإنسان الحيّ الضمير الذي يتفكر في هذه الأمور مقتنع كلياً بأنإيجاد هذا التوازن الكامل على الأرض بالتأكيد ليس صدفة. وملاحظة كل هذا والتفكر فيهيظهر ان الله العظيم ومالك القدرة الأبدية خلق كل شيء لهدف.
بالاضافة إلى ذلك يتذكر هذا الإنسان ان هذه الأمثلة التي يتفكّرفيها هي غيض من فيض، وفعلاً من المستحيل إحصاء الأمثلة فيما يتعلّق بالتوازن الدقيقعلى الأرض، ومع ذلك فإن الإنسان الذي يتفكر يستطيع ملاحظة النظام والكمال والتوازنالمنتشرفي كل زاوية من زوايا الكون وبالتالي يمكنه الوصول إلى خلاصة مفادها ان اللهسخّر كل شيء للإنسان. ويذكر الله تعالى هذه الحقائق في القرآن الكريم بقوله:?وسخّرلكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون? ]الجاثية:13[
بماذا يجعلنا الخلود نتفكّر؟
كل منا مطّلع على مفهم الخلود، ولكن هل تفكّرتم فيه يوماً؟
الخلود من أهم الموضوعات التي يتفكر فيها من يؤمن بالله. فخلق اللهللحياة الأبدية في الجنة والنار موضوع مهم يحتاج كل واحد منا أن يتفكر فيه، ومنيفعل ذلك تدور في خلده الأمور التالية: الطبيعة الأبدية للجنة من أعظم النعموالمكافآت التي تمنح في الحياة بعد الموت، فإذا كان من الممكن أن يعيش الانسان فيهذه الحياة الدنيا مائة عام، فإن الحياة الرائعة في الجنة لا تنتهي أبداً، فهي غيرمحدودة بزمن، فبالمقارنة مع بلايين يلايين العصور تبدو هذه البلايين قصيرة بالنسبةلها.
من يتذكر هذه الأمور يلاحظ أنه من الصعوبة بمكان أن يحيط الانسانبماهية الخلود، ويمكن لهذا المثال ان يوضح الموضوع: إذا كان هناك بلايين بلايينالناس استمروا في التوالد على مدى بلايين بلايين العصور بنفس الوتيرة ليلاً نهاراًوإذا عاش كل واحد منهم بلايين بلايين السنوات الى منتهاها فإن الرقم الذي سيصلوناليه بمجموعه يبقى صفراً بالنسبة الى الرقم الذي سيعيشونه في الحياة الأبدية.
ومن يتفكر بهذا يصل الى النتائج التالية: إن الله عنده علم عظيم،فما هو أبدي بالنسبة للإنسان قد انتهى بالنسبة اليه، وكل الأحداث التي وقعت مناللحظة الأولى لبداية الزمان الى نهايته، بكل أشكالها وأزمنتها، فإنها قد حدثتوانتهت بعلم الله تعالى.
وبنفس الطريقة يجب أن يفكر المرء بأن جهنم هي المكان الذي سيخلد فيهالكافرون الى الأبد، وفيها أنواع العذاب المختلفة والكربات، حيث سيكون الكافرونعرضة لعذاب جسدي وروحي لا ينقطع ولا يتوقف ولا يعطى المعذّب أي وقت لينام أو يرتاح. ولو كان هناك نهاية للحياة في جهنم لكان هناك أمل لأصحاب النار حتى لو كانت هذهالراحة بعد بلايين بلايين السنين، ولكنهم يجزون بالعذاب الأبدي على شركهم باللهوكفرهم.?والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون? ]الأعراف:36[
من المهم جداً أن يحاول كل فرد فهم موضوع الخلود من خلال التفكرفيه، فإن هذا يزيد من سعيه الى الآخرة ويعزز فيه الخوف والرجاء معاً، ففيما يخلف منالعذاب الأبدي فإنه يتعلق بالرجاء بدخول الجنة والنعيم المقيم.
بماذا تجعلنا الأحلام نتفكّر؟
الإنسان الذي يتفكر يرى غايات مهمة كامنة وراء وجود الأحلام. فهويتفكر كم تبدو الأحلام التي يراها خلال نومه واقعية، حيث لا تختلف من هذه الناحيةعن لحظات اليقظة. فعلى الرغم من أن الجسم يكون في حالة استلقاء على السرير، فإنالانسان يمضي في منامه في رحلات عمل، ويلتقي أشخاصاً لم يلتق بهم من قبل، ويتناولطعام الغداء وهو يستمع الى الموسيقى، ويستمتع بنكهة طعامه، ويرقص على وقع الموسيقى،ويتحمس لما يقع من أحداث، ويفرح، ويحزن، ويخاف، ويتعب.. وقد يقود مركبة آلية لميقدها من قبل، ودون أن يتقن فن القيادة أصلاً!
ومع أن جسده كان مستلقياً بلا حراك، وعيناه مغمضتان فإنه رأى صوراًمتعددة في الأماكن التي رآها في منامه، ومع أن الغرفة كانت خالية فإنه سمع أصواتاً،مما يعني أن الذي أبصر لم تكونا العينين، وأن الذي سمع لم تكونا الأذنين، فكل شيءحدث في ذهنه، ومع ذلك كان كل شيء يبدو واقعياً وكأن كل هذه الانطباعات الذهنية لهاشكل أصيل.
اذن ما الذي يشكل مثل هذه الصور التي لا اصل لها في العالم الخارجي،فالانسان لا يستطيع أن يشكّلها خلال نومه عن وعي وقصد، ولا دماغه يستطيع أن يولّدهذه الصور من تلقاء نفسه، فالدماغ عبارة عن كتلة من اللحم مكوّنة من جزئياتبروتينية، ومن غير المنطقي أبداً الادعاء بأن هذه المادة تستطيع تشكيل الصوربنفسها، أو تشكيل وجوه بشرية وأماكن وأصوات لم ترها أو تسمعها من قبل. فمن إذنيرينا هذه الصور في أحلامنا خلال فترة النوم؟
من يمعن التفكر في هذه الأسئلة سوف يرى الحقيقة الواضحة، وهي أنالله تعالى هو الذي يجعل الناس ينامون فيتوفى أنفسهم عندها، ثم يعيدها اليهم عندمايستيقظون، ويريهم الأحلام خلال نومهم.
ومن يعلم أن الله هو الذي يرينا الأحلام، فإنه يتفكر أيضاً بالغاياتوالأسباب الكامنة وراء خلقها، ففي أحلامه يكون الانسان واثقاً من الناس وما يمر بهمن أحداث وكأنه في حالة اليقظة، ولو أن أحدهم قال لنا:"إنكم تحلمون الآن،استيقظوا.." لما صدّقناه! ومن يدرك كل ذلك سوف يتساءل: من يستطيع الادّعاء أن هذهالحياة ليست فانية، وأنها ليست شبيهة بالحلم، وأنه كما نستيقظ من أحلامنا الآن،فإننا يوماً ما سنستيقظ من هذه الحياة لنرى مشاهد مختلفة تماماً.. هي مشاهد الآخرة.
الفصل الخامس
التفكر في آيات القرآن الكريم
القرآن الكريم آخر كتاب أنزله الله على عباده، وكل إنسان يعيش فوقهذه البسيطة ملزم بتعلّم القرآن وتنفيذ الأوامر المنزلة فيه. ومع أن معظم الناسيقرّون بأنه كتاب مقدس فإنهم لا يتدبّرون آياته، ولا يتفقّهون في ما نزل فيه، ولايطبقون ما أمرهم الله به من خلاله ، فهم يكتفون بمعرفة القرآن من خلال المعلوماتالتي يحصّلونها من هنا وهناك، في حين أن أهمية تفكر الانسان في القرآن ومكانته أمرعظيم.
فقبل كل شيء، من يتدبر القرآن سيرغب في معرفة خالقه وخالق هذا الكونالذي يعيش فيه، من أعطاه الحياة عندما كان عدماً، وأنعم عليه بنعم وأمور جميلة لاتعدّ ولا تحصى، ليسلك السبيل الذي يرضيه سبحانه وتعالى. والقرآن الذي أنزله اللهعلى رسوله صلى الله عليه وسلّم هو خير مرشد الى هذا السبيل. من أجل ذلك يحتاجالانسان الى معرفة الكتاب الذي أرسله الله والتفكر في كل آية من آياته حتى يميزالخبيث من الطيّب، وينفذ أوامر الله كما يحب سبحانه ويرضى.
ويذكر الله تبارك وتعالى الغاية من إنزال القرآن فيقول:? كتابأنزلناه اليك كبارك ليدّبّروا آياته وليتذكّر أولوا الألباب?]ص:29[
? كلا إنه تذكرة. فمن شاء ذكره. وما يذكرون إلا أن يشاء الله، هوأهل التقوى وأهل المغفرة? ]المدثّر54-56[
كثير من الناس يقرأون القرآن ولكنهم يغفلون عن أهم هدف من وراءالقراءة، وهو تدبر كل آية، واستخلاص العبر والدروس منها، وتطويع سلوكنا وفقاً لمااستخلصناه.. فمن يقرأ -مثلاً- قوله تعالى:?فإن مع العسر يسراً. إن مع العسر يسراً?] الشرح:5-6[ ويتدبر معناه سوف يفهم ان الله جعل لكل عسرٍ يسرأً، ولذلك فإنه لو مربعسر فما عليه إلا أن يثق بأن الله سوف يجعل معه يسراً. وإذا كان هذا وعد من اللهلنا فحريّ بنا أن ندرك أن اليأس والامتلاء بالهلع في اللحظات الصعبة إنما هو دليلعلى ضعفٍ في إيماننا، ولذلك يجب علينا بعد قراءة هاتين الآيتين وتدبّر معناهما، أننكيّف تصرفاتنا بمقتضاهما طوال حياتنا.
وفي القرآن أيضاً يذكر الله قصصاً من حياة الرسل والأنبياء الذينعاشوا في الماضي، ليدرك الناس كيف كانت حياة وتصرفات وحديث من رضي الله عنهم،فيتخذهم قدوة. ويأمرنا الله تعالى أن نتفكّر في قصص هؤلاء الأنبياء ونستخلص منهاالعبر فيقول:
?لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب...?] يوسف:111[
?وفي موسى إذ أرسلناه الى فرعون بسلطان مبين?] الذاريات:38[
? فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين?] العنكبوت:15[ (النبي المشار اليه في هذه الآية هو نوح عليه السلام.)
كما أن في القرآن ذكر للأمم الغابرة، وأحوالهم والكوارث التيأنزلوها على أنفسهم. ومن الخطأ الجسيم قراءة الآيات المتعلقة بما حدث لهم من بابالسرد التاريخي البحت، لأن الله تعالى أنزل هذه الآيات -كما غيرها- لنتدبّرها ونصلحأنفسنا من خلال الاتعاظ بما حل بهذه الأمم.
? ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدّكر?]القمر:51[
? وحملناه على ذات ألواح ودسر. تجري بأعيننا جزاءً لمن كان كفر. ولقد تركناها آية فهل من مدّكر. فكيف كان عذابي ونذر. ولقد يسرنا القرآن للذكر فهلمن مدّكر?]القمر:13-17[
لقد أنزل الله القرآن هادياً للبشر، ولذلك فإن التفكر في آياته،والعيش بمقتضى ما في كل آية من دروس وتحذيرات هو السبيل الوحيد الى رحمة اللهوقبوله لنا ودخول جنته.
إلام يدعو الله الناس للتفكر فيه من خلال القرآنالكريم؟
? ... وأنزلنا اليك الذكر لتبيّن للناس ما نزل اليهم ولعلّهميتفكّرون? ]النحل:44[
في هذه الآية الكريمة -كما في غيرها من الآيات- يدعو الله الناس الىالتفكر. فالتفكر والتدبر، وإدراك الغايات الخفية، والإعجاز في خلق الله، عبادة بحدذاتها. فكل موضوع نتفكر فيه يعيننا أكثر على فهم وتعظيم قدرة الله وعلمه وإبداعه،وغيرها من صفاته سبحانه وتعالى.
الله يدعو الإنسان الى التفكّر في خلقه
? ويقول الإنسان أءذا متّ لسوف أخرج حيّا. أولا يذكر الإنسان أنّاخلقناه من قبل ولم يك شيئا?]مريم:66-67[
ويدعو الناس الى التفكر في خلق الكون..
?إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجريفي البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتهاوبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآياتٍ لقوميعقلون?[البقرة:164].
ويدعوهم الى التفكر بالطبيعة الفانية لهذه الحياةالدنيا
?إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فأختلط به نباتالأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازيينت وظن أهلها أنهمقادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس وكذلكنفصل الآيات لقوم يتفكرون?[يونس:24].
?أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهارله فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقتكذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون?[البقرة:266].
...والى التفكر في ما هم فيه من نعم ورحمات
?وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهاراً ومن كل الثمرات جعلفيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون?
?وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغيرصنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوميعقلون?[الرعد:3و4].
ويدعو الانسان للتفكّر في أن هذا الكون كله مسخّرله
?وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه إن في ذلك لآياتلقوم يتفكرون?[الجاثية:13].
?ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن فيذلك لآية لقوم يتفكرون. وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمرهإن في ذلك لآيات لقوم يعقلون. وما ذرأ لكم في الأرض مختلفاً ألوانه إن في ذلك لآيةلقوم يذّكّرون. وهو الذي سخر البحر لتأكلو منه لحماً طرياً وتستخرجوا منه حليةًتلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون. وألقى في الأرضرواسي أن تميد بكم وأنهاراً وسبلاً لعلكم تهتدون. وعلامات وبالنجم هم يهتدون أفمنيخلق كمن لا يخلق أفلا تتذكرون?[النحل:11-17].
ويدعو الناس الى التفكر في أنفسهم
?أولم يتفكروا في أنفسهم...?[الروم:8].
ويدعوهم الى التفكر بالقيم والأعمال الصالحة
?ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفواالكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفساً إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربىوبعهد الله أوفوا ذلكم وصّاكم به لعلكم تذكرون?[الأنعام:152].
?إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاءوالمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون?[النحل:90].
?يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسواوتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون?[النور:27].
والله يدعو الناس الى التفكر في الآخرة، والساعة ويومالحساب.
?يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوءٍ تود لوأنبينها وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد?[آل عمران:30].
?واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولو الأيدي والأبصار. إناأخلصناهم بخالصة ذكرى الدار?[ص:45-46].
?فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهمإذا جائتهم ذكراهم?[محمد:18].
ويدعو الإنسان الى التفكّر في كل ما خلقه من كائناتحية
?وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر وممايعرشون. ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل بك ذللاً يخرج من بطونها شراب مختلفألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون?[النحل:68-69].
ويدعوه الى التفكر بالعقاب الذي قد ينزل به فجأة
?قل أرأيتكم أن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إنكنتم صادقين?[الأنعام:40].
?قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غيرالله يأتيكم به أنظر كيف نصرّف الآيات ثم هم يصدفون?[الأنعام:46].
?قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتةً أو جهرةً هل يهلك إلا القومالظالمون?[الأنعام:47].
?قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتاً أو نهاراً ماذا يستعجل منهالمجرمون?[يونس:50].
?أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هميذّكّرون?[التوبة:126].
?ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائرللناس وهدىً ورحمة لعلهم يتذكرون?[القصص:43].
?ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدّكر?[القمر:51].
?ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهميذّكرون?[الأعراف:130].
.. ويدعوه الى التفكر في القرآن
?أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاًكثيراً?[النساء:82].
?أفلم يدّبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آبائهمالأولين?[المؤمنون:68].
?كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدّبروا آياته وليتذكر أولواالألباب?[ص:29].
?فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون?[الدخان:58].
?كلا إنه تذكرة. فمن شاء ذكره?[المدثر:54-55].
?وكذلك أنزلناه قرآناً عربياً فصرّفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أويحدث لهم ذكراً?[طه:113].
والرسل دعوا قومهم الذين لا يفقهون الى التفكر
?قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إنيملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي قل هل يتوي الأعمى والبصر أفلاتتفكرون?[الأنعام:50].
?وحاجه قومه قال أتحاجّونّي في الله وقد هداني ولا أخاف ما تشركونبه إلا أن يشاء ربي شيئاً وسع ربي كل شيءٍ علماً أفلا تذكرون?[الأنعام:80].
والله يدعو الناس الى مقاومة تأثير الشيطان
?وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم. إن الذيناتقوا إذا مسهم من طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون. وإخوانهم يمدونهم فيالغي ثم لا يقصرون?[الأعراف:200-202].
..ويشجع من أرسل اليهم القرآن على التفكر بعمق
?إذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري. إذهبا إلى فرعون إنه طغى. فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى?[طه:42-44].
..ويدعو الناس الى التفكر في الموت والأحلام
?الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منانها فيمسك التيقضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوميتفكرون?[الزمر:42].
خلاصة
إن هذا الكتاب "دعوة الى التفكر" فالحقيقة يمكن أن تقال للإنسانبطرق عديدة ويمكن إظهارها باستخدام تفاصيل، وجزئيات الأدلة وبكل الوسائل. ولكن إذالم يتفكر الانسان بنفسه بالحقيقة بكل صدق وإخلاص متوخياً الفهم، فكل هذه الجهود غيرمجدية. لهذا السبب عندما بلّغ رسل الله رسالاتهم الى الناس، أخبروهم الحقيقة بوضوحثم دعوهم الى التفكر فيها.
والانسان الذي يتفكر يحيط بأسرار الخلق وبحقيقة هذه الحياة الدنياوبوجود الجنة والنار وببواطن الأمور، ويحصل على فهم أعمق لأهمية كونه انساناًمرضياً عند الله، فيعيش الدين كما يجب ويتعرف الى صفات الله في كل ما يراه. ثم يبدأبالتفكير بالطريقة التي تطالب بها اغلبية الناس ولكن كما يأمر الله سبحانه وتعالى. ونتيجة لذلك فإنه يستمتع بالجمال أكثر بكثير مما يستمتع به غيره ولا تسبب لهالمخاوف التي لا أساس لها أو الأطماع الدنيوية الكرب.
وكل هذا نزر يسير من الأشياء الجميلة التي يفوز بها من يتفكر في هذهالحياة الدنيا، أما الفوز العظيم في الآخرة الذي يناله من يصل الى الحقيقة عبرالتفكر فهو محبة ورضا ورحمة وجنة ربنا سبحانه وتعالى.
ومن ناحية أخرى فقد أزف اليوم الذي سوف يتفكر فيه الذين يتهربون منرؤية الحقيقة عبر التفكر، بل إنهم سيتفكرون ويستغرقون ويرون الحقيقة واضحة كعينالشمس. ومع ذلك فإن تفكرهم في ذلك اليوم لن ينفعهم بل سيجلب لهم الحزن. والله تعالىيذكر في كتابه متى سوف يتفكر مثل هؤلاء الناس:? فإذا جاءت الطامة الكبرى. يوم يتذكرالانسان ما سعى. وبرّزت الجحيم لمن يرى? ]النازعات: 34-36[
دعوة الناس الذين يفترضون أنهم يستطيعون التهرب من المسؤوليات منخلال عدم التفكر الى التفكر حتى يستطيعوا أن يدركوا النهاية التي ستحل بهم، هيبالنسبة للمؤمنين فعل عبادة. ولكن كما يقول ربنا سبحانه وتعالى في القرآن الكريم:? فمن شاء ذكره? ]المدّثر:55[







  رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)
  • إرسال الموضوع إلى ارسل الموضوع الى Facebook ارسل الموضوع الى Facebook
  • إرسال الموضوع إلى ارسال الى Google ارسال الى Google
  • إرسال الموضوع إلى ارسال الى Digg ارسال الى Digg
  • إرسال الموضوع إلى ارسال الى del.icio.us ارسال الى del.icio.us
  • إرسال الموضوع إلى ارسال الى StumbleUpon ارسال الى StumbleUpon


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
طريقة عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر رد
قصة مواطن سوري شرشبيل الشعر والأدب وأحلى الكلام 4 07-05-2012 03:59 AM
التأمل علاج رائع ؟ مجننهم التنمية البشرية 0 02-09-2008 11:02 AM
الخطوة الأولى هي الخطوة الأخيرة birusk مقالات تربوية 1 01-27-2008 08:34 PM
التقاويم في الحضارات البشرية نسرسوريا قسم الأخبار العلمية 1 09-22-2007 07:28 PM


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2015, Jelsoft Enterprises Ltd diamond